آراء

تململ داخل الائتلاف الحاكم : فهل تصمد حكومة الصيد؟

 أعلن نواب الكتلة البرلمانية، لحزب الاتحاد الوطني الحر، أمس الثلاثاء عن تجميد مساندتهم للحكومة، وأرجع النواب قرارهم هذا إلى "ما اعتبروه تغييبا للتنسيق واستشارة الحزب في مختلف المراحل التي مرت بها الحكومة وخاصة منها التعيينات الأخيرة". وهو ما عبر عن بداية الاعلان عن "تململ" في صفوف الائتلاف الحاكم من قرارات رئيس الحكومة، في علاقة خاصة بملف التعيينات. وهو ما كانت قد عبرت عنه في وقت سابق، بقية أحزاب الائتلاف الحاكم، ومنها حزب "نداء تونس". التي تطالب بجرعة سياسية أكبر في الحكومة، في المقابل يتمسك الصيد بالانتصار ل "حزب الادارة".

الأحزاب الحاكمة تنتقد الصيد
 
تجدر الإشارة إلى أن الوطني الحر، يشارك في الائتلاف الحاكم، الذي يتكون من أربعة أحزاب، وهي "نداء تونس" و "النهضة" ، وحزب "أفاق"، و هي أحزاب أربعة تحسب على كونها تنتمي لما يعرف بالتيار "اليميني"، ولها توافق كبير خاصة في البرامج الاقتصادية والاجتماعية.
قرار الكتلة النيابية لحزب "الوطني الحر"، ليس معزولا عن انتقادات سابقة وجهت لحكومة الحبيب الصيد، من قبل الأحزاب المشاركة في الحكومة.
فقد سبق أن عبرت أحزاب "نداء تونس" و "النهضة" و "أفاق" عن عدم رضها وبالأصح عن "تململها" من بعض قرارات وسياسات رئيس الحكومة، خاصة في ما يتصل بالتعيينات في مناصب "المحافظين" في الجهات وكذلك في المناصب العليا في عدد من المؤسسات الهامة.
في هذا الإطار، عبرت أحزاب التحالف الحكومي الأربعة، عن وجود قطيعة في التواصل مع رئيس الحكومة، الذي يصر على عدم العودة للأحزاب الحاكمة، في عدة ملفات ومنها "التعيينات"، التي يرون أن رئيس الحكومة، يصر على أنها من مشمولاته وحده، ويرفض الأخذ بمقترحات الأحزاب.
الادارة في مواجهة الأحزاب
 
من جهة أخري، أكدت لنا مصادر مطلعة في ديوان رئيس الحكومة على أن رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، "حريص على التواصل مع الأحزاب التي تشارك في الحكم، وأنه قام بتأدية زيارات لمقراتها، في محاولة منه للانصات لمشاغلها واقتراحاتها".
ذات المصدر الحكومي "الرفيع"، أكد أيضا على أن رئيس الحكومة يحتكم للكفاءة والخبرة في كل التعيينات التي تمت، وفق تعبيره. مشيرا الى "أن جل المقترحات التي تقدمت بها الأحزاب، بما في ذلك الحزب الأغلبي (نداء تونس)، لم يؤخذ بها لأنها لا تستجيب للمواصفات التي وضعها رئيس الحكومة".
للاشارة، فان رئيس الحكومة هو من الشخصيات المستقلة، التي رشحها الحزب الأغلبي (نداء تونس) بدعم ومساندة كبيرين من الرئيس الباجي قائد السبسي، الذي يري أن الحبيب الصيد هو الأجدر في هذه المرحلة لرئاسة الحكومة، بل أنه صرح علنا بأن حزبه لا يحوز على شخصية قادرة على تحمل مسؤولية رئاسة الحكومة.
كما يحظى الحبيب الصيد، بدعم من قبل حزب حركة "النهضة"، وهو ما أكده راشد الغنوشي  سابقا الذي قال "بأن الصيد شخصية وطنية كفئة ونظيفة". وفي نفس التوجه المساند، امتنعت قيادات "النهضة" عن توجيه انتقادات علنية وفي الاعلام لرئيس الحكومة، برغم عدم رضاها عن بعض القرارات خاصة حول التعيينات وكذلك عزل بعض الأئمة القريبين أو المحسوبين على الحركة. وذلك على خلاف بعض قادة الحزب الأغلبي (نداء تونس) الذين دعوا صراحة وفي أكثر من مناسبة الى اقالة الصيد، وترشيح قيادي من الحزب لأخذ مكانه، معتبرين أن المرحلة الحالية التي تمر بها تونس، تفترض أن يكون على رأس الحكومة "شخصية سياسية"، وليس "شخصية ادارية".
 
نداء تونس يصدر أزمته للحكومة
 
وهنا نشير الى أن "جناح" مهم من قيادات الصف الأول في حزب "نداء تونس"، يرون أن حكومة الحبيب فشلت في ادارة البلاد، وان حصيلتها سلبية بعد تسعة اشهر من الحكم. بل أكثر من ذلك يرون أن مظاهر الفساد ازدادت وانتشرت في عهدها. وهو ما عبر عنه الوزير المستقيل الأزهر العكرمي، في خطاب الاستقالة، عندما قال: " حتى أني وبكل وضوح أطرح الاسئلة على نفسي، ان كانت هناك ارادة فعلا للتصدي للفساد في بلاد بلغ حجم الاقتصاد الموازي فيها 54 بالمائة من دخلها القومي". وأضاف قائلاك "وأني علي يقين أنه مثلما لا يمكن للعقول الاستبدادية أن تقود الديمقراطية، لا يمكن كذلك محاربة الفساد بمسؤولين فاسدين".
في مقابل هذا النقد "الصارم" لأداء الحكومة ولرئيسها، فان هناك من داخل قيادات "نداء تونس"، من يدافع بقوة عن حكومة الحبيب الصيد، وهو ما يحيلنا على حجم التأثير السلبي الذي "بليت" به الحكومة الحالية، بسبب الخلافات التي تشق الحزب الأغلبي، والتي تم تصديرها لا للحكومة فقط وانما لكافة المشهد الساسي والاجتماعي، الذي أربكته خلافات هذا الحزب، المسؤول سياسيا وقانونيا وأخلاقيا عن ادارة البلاد.
وهنا نشير الى أن الأحزاب الأربعة المكونة للاتلاف الحاكم، لم يعرف عنها مساندة أو دعم سياسي ومجتمعي للحكومة. بل أنها جعلتها تبدوا في مظهر الحكومة المعزولة سياسيا. من ذلك أن تشكيل "تنسيقية الأحزاب الحاكمة" لم تري النور الا بعد مرورو أكثر من ثلاثة أشهر على تشكيل الحكومة. ولعل هذا ما يفسر توجه رئيس الحكومة، الى الاعتماد على الادارة أي التقنوقراط في ادارة البلاد. ما جعل الملاحظين يرون أن الحبيب الصيد قد حول الادارة الى حزب قائم الذات، وأكثر من ذلك الى "حزب حاكم". وهو ما لم ينفيه الصيد نفسه، عندما دافع عن هذا الخيار. حيث قال في حوار له على قناة "نسمة" المحلية (مساء الاثنين)، أنه يفضل التقني/الاداري على السياسي في تولي ادارة البلاد، مشيرا الى أن كسب التحديات التي تواجه البلاد، يفترض ترجيح كفة مثل هذا الخيار.
 
هل تصمد الحكومة؟
 
فهل تصمد حكومة الحبيب الصيد أمام ضغط السياسيين والأحزاب ؟ أم أن الرجل سيكون مضطرا لإعطاء فريقه "جرعة سياسية" حتى يستمر؟ خصوصا وأن حصيلة حكومته دون المأمول، خاصة في علاقة بتراجع معدلات النمو الى أقل من 1 بالمائة، اضافة الى بروز عدة نقاط ضعف في أداء عدد من وزرائه، الذين تعوزهم الكفاءة والتجربة. هذا الى جانب تعطل المرور الى الاصلاحات الكبري، ما جعل من حكومته ينظر اليها على أنها حكومة تصريف أعمال، وهو ما أكده الرئيس السبسي نفسه في حواره الأخير مع قناة "نسمة".
 
منذر بالضيافي