آراء

لم يختر المعارضة ولا يريد البقاء في السلطة : مـاذا يـريـد مـحـسـن مـرزوق ؟

يعقد اليوم أمين عام حركة مشروع تونس محسن مرزوق ندوة صحفية تردّد أنّها ستفصح عن تنصّل تام من مساندة الحكومة ومن وثيقة قرطاج ... وإذا كان قد لمّح في حوار تلفزي سابق أنّ هذه الخطوة تأتي بعنوان «تصحيح المسار»، فإنّه يهمّنا اليوم أن نبحث عن المسكوت عنه في خطاب سياسي عرف عند منافسيه وحتّى أصدقائه بتقلّبات صارت غير مفهومة.
وبقطع النظر عمّا ستحمله ندوة اليوم من حيثيات يبدو أنّ إعلانها المسبق كان لجسّ نبض الساحة أو الجهات الرسمية، فإنّ محسن مرزوق بدا كمن يتحسّس وضعيّة سياسيّة لا يمكن تصنيفها
فعند مغادرته حركة نداء تونس على وقع صراعات داخليّة غير بعيدة عن لعبة التموقعات، قام بتأسيس حركة المشروع على مرتكزات كان أكثرها جلبا لانتباه الرأي العام هو موقفه الداعي الى تفكيك منظومة التوافق مع الإسلاميين.
وعلى علم الجميع بأنّ أحد أعمدة هندسة هذا التوافق هو محسن مرزوق نفسه، والذي لم يعرف عنه قبل 14 جانفي غير علاقة مستقرّة مع نشطاء الحركة الإسلامية في إطار نشاطه في المنظمات الدولية غير الحكومية التي اضطلعت بدور «التدريب الديمقراطي» للسلطات الجديدة لـ «الربيع العربي» ... مع علم الجميع بذلك، كان يفترض أن تكون الإنطلاقة الجديدة لمحسن في شكل حزب معارض.. أو هو أوحى بذلك من خلال تركيز خطابه على إعادة الإعتبار للتعبيرة التقدّميّة في مواجهة التعبيرة الرجعية الظلامية ...
لكنّ شيئا من هذا لم يحصل، بل بدا التأسيس أقرب إلى البراغماتية الفجّة منه الى الفرز السياسي الموضوعي، لقد اختار محسن وبإرادته اعتماد مورد استقطابيّ يستبطن فكرة السّلطة ويرفض مطلقا أو هو يستنكف عن أن يصنّف في المعارضة. لقد لعب في منطقة نشطاء التجمّع الدستوري، وفي منطقة النشطاء الغاضبين لنداء تونس، مع اتجاه الى بعض تعبيرات اليسار النقابي التي لم تعمّر طويلا بخروج مصطفى بن أحمد وعبد المجيد الصحراوي ... وكان شغله الشاغل هو التموقع داخل لعبة الحكم، نصيرا لحكومة الصّيد ثمّ عضوا في وثيقة قرطاج التي أتت بحكومة الشاهد، ثمّ مساندا واضحا لحكومة الشاهد والتي جاءته فرصة إعلان معارضتها على طبق من ذهب في صائفة 2016 دون أن يفعل ذلك. لقد اختار أن يكون في الحكم أو على الأقل حوله وأن لا يجازف بالمعارضة، وهذا تحديدا ما جعله في تعارض تامّ مع الأهداف السياسية التي أعلنها للرأي العام، إنّه قد ساند حكومة يستوطنها الاسلاميون بمنطق «التوافق»، وشارك في اجتماعات وثيقة انخرط فيها الإسلاميون، فكان ظلاّ من ظلال منظومة الحكم، أو أحد المتراهنين على تغيير موازين قواها باتجاه الترقّم الشخصي والحزبي داخلها، وهذا ماجعله في «منزلة بين المنزلتين»، لا يملك داخل السلطة مسوّغ التموقع المباشر، ولا يملك داخل المعارضة مسوّغ التموقع في قيادة سلطة مضادة (contre pouvoir)، ولهذا السبب لم تنجح كلّ عمليات التجميع التي قام بها، بدءًا بـ «جبهة الإنقاذ»، وصولا إلى «الجبهة البرلمانية الوسطيّة» ...
والأهمّ في كلّ هذا أنّ الانطلاقة المبهرة ـ في المستوى الشكلي والاستعراضي ـ لم تترافق أصلا مع تقديم برنامج مختلف على المستوى السياسي والاقتصادي وحتى الديبلوماسي .. بقي السياسي مشدودا الى نفس لعبة الحكم، وبقي الاقتصادي مشدودا تقريبا إلى نفس خيارات الحكومات المتعاقبة التي تقاذفتها أمواج اقتصاد السوق، وبقي الديبلوماسي مدفوعا بانجذاب إلى وجهة الولايات المتحدة الأمريكية (ولعب مريح في مساحة العلاقات معها على المستوى الرسمي)، ولم يقدّم إضافة الى ذلك مؤشرا جديّا لفكّ الارتباط مع المحور الخليجي، أي بلغة أخرى، لم يقدّم مرزوق ما يفيد أنّه جاء ليغيّر شيئا ما في تونس ...
وهنا نتساءل، ما الذي يريده اليوم : هل يريد التنصّل من الحكومة التي فوّت كلّ فرص معارضتها عندما كان الأمر يستوجب ذلك ؟ هل يريد التنصّل من وثيقة قرطاج التي يدرك قبل غيره، أنّها ستتواصل بشكلها الحاليّ أو حتّى بأشكال أخرى ما دامت مسيّجة بدعم الأطراف الإجتماعية الوازنة كاتحاد الشغل واتحاد الأعراف ؟ هل هو منزعج كما يتردّد من عودة الحديث عن لملمة الصفّ الداخلي لحركة نداء تونس، وتوجه أقطابه الى مقرّ البحيرة ؟ ثمّ لماذا يفعل مرزوق هذا بعد ظهور بوادر ولو أوّليّة لتفرّق المسارات بين نداء تونس والنهضة، أليس هذا ما كان يطلبه تحديدا ؟
عديدة هي نقاط الاستفهام التي أصبحت تطرح في موضوع محسن مرزوق وموقعه من اللعبة .. ماذا يريد بالضبط ؟ إذا كان معارضا فليتحمّل مسؤولية المعارضة بشجاعة وحسم، وإذا كان سلطويّا فليعالج خلافاته داخل المنظومة التي اختار منذ 2012 أن يكون أحد قيادييها البارزين ... عدا ذلك ، لا نعتقد أنّ الندوة الصحفية لهذا اليوم ستحمل جديدا، لا لمحسن كشخص، ولا للساحة السياسية.
لن تحمل جديدا لمحسن الشخص، لأنّ الساحة لم تعرف عنه الى يوم الناس هذا غير التقلبات وربّما استشعرت أن الطموح الذاتي قد جرفه أكثر من مرّة خارج الموضوع ... ولن تحمل جديدا للسّاحة السياسية، لأنّ تواصل وثيقة قرطاج قد يستمرّ بعد خروج حزب المشروع، ولأن تحوير أو تغيير محتوى وثيقة قرطاج قد يحصل بحضور حزب المشروع ... إنّ كلّ شيء وارد، إلاّ أن تتعدّل الساحة السياسية على الأمزجة الذاتية ...
وفي الأخير، ماذا يريد محسن مرزوق ... ؟ سؤال قد لا يجيبنا عنه المعني بالأمر، ولكننا لسبب أو لآخر ... نعرف الإجابة ..

خليل الرقيق