آراء

لن ينطفئ لهيب مشعلك يا نجيبة

فجعت العائلة الإعلامية في تونس مساء الأحد بخبر وفاة نقيبة الصحفيين التونسيين السابقة الزميلة نجيبة الحمروني بعد صراع مع المرض الذي نال منها في نهاية المطاف لتخطفها يد القدر وهي في عز العطاء وأصعب الأوقات التي تمر بها تونس على مختلف الأصعدة وخاصة على صعيد الإعلام.
لم ألتق الفقيدة إلا مرة واحدة، وكان ذلك قبل ثلاث سنوات، حيث أتت إلى دبي للمشاركة في منتدى الإعلام العربي ممثلة للإعلام التونسي الذي كان يشهد في تلك الفترة، وما يزال، مخاضا صعبا نتيجة الأحداث السياسية التي شهدتها تونس في يناير 2011 والتي قلبت المشهد رأسا على عقب. تحدثنا مطولا عن هموم البلاد ودعوتها إلى عشاء في بيتي مع زملاء آخرين. إلا أن عارضا صحيا منعها من الحضور بسبب الإرهاق خاصة أنها كانت في فترة علاج من مرض خبيث، فقضت ليلتها في المستشفى وعادت إلى تونس في اليوم التالي. بقينا على اتصال قليل، للاطمئنان على صحتها التي أهملتها في سبيل الدفاع عن حرية الرأي والتعبير. تصدت لمحاولات ترهيب الإعلاميين تحت حكم الترويكا وتركيعهم. أصدرت بيانات التنديد بالاعتقالات والمحاكمات والاعتداءات الجسدية والتهديدات التي طالت العديد من الاعلاميين. وأطلقت التصريحات وشاركت في الاعتصامات والمظاهرات دون أن تعير أي اهتمام لحملات التشويه التي كانت تطالها للنيل منها نفسيا ومعنويا، والتي وصلت إلى حد معايرتها ـ إن صح التعبير ـ بسمارها الجميل الهادئ.
لقد كانت الفقيدة من الجيل الجديد الذي برز بعد أحداث يناير في تونس لتحمل مشعل الدفاع عن المهنة من أجيال سابقة تولت على مراحل هذه المهمة النبيلة والشريفة من خلال الإشراف على جمعية الصحفيين أو حتى مجرد الانخراط فيها والذي اعتبر تهمة في وقت من الأوقات.
لقد كانت جمعية الصحفيين التونسيين منذ تأسسيها خلال القرن الماضي، باستثناء فترات قصيرة تمكنت فيها السلطات من الاستحواذ عليها ملاذا للإعلاميين
المضطهدين في عهدي الرئيسين، الراحل الحبيب بورقيبة، وزين العابدين بن علي. فكم مرة لجأت إليها شخصيا عندما كنت أتعرض لمضايقات من قبل المسؤولين عن الإذاعة والتلفزيون في تلك الفترة، بسبب رأي أعربت عنه أو سقف حاولت رفعه. فكنت أجد فيها ـ وأمثالي كثر ـ السند الحقيقي والمدافع الشرس عن حقوقنا. وكنا نخرج من كل أزمة أقوى في انتظار الأزمة التي تليها.
قد لا يتسع المكان للحديث عن الزملاء الذين تعاقبوا على رئاسة النقابة والتي كانت تسمى سابقا جمعية الصحفيين. فكل واحد منهم ترك بصمته وخاض معاركه، وخاصة الزميلات، إلى أن أكملت الفقيدة المشوار لفترة وجيزة، للأسف الشديد، بسبب المرض.. ولها أقول اليوم: نامي فقيدتنا وفقيدة الإعلام العربي الحر قريرة العين. فلهيب مشعلك لن ينطفئ، وراية الدفاع عن الكلمة الحرة والمبادئ التي رفعتها ودافعت عنها خفاقة لن تنخفض، وإن عز رافعوها في زمن تميزه الفوضى الإعلامية وسيطرة المال السياسي على العديد من قطاعاته رغم تعدد المنابر.
رفيقة محجوب