يستعد شارع الحبيب بورقيبة في تونس العاصمة، يوم 29 جوان الجاري، لاحتضان حفل موسيقي يحييه الفنان التونسي حسان الدوس بقيادة المايسترو سلمى مسعودي.
ويُعدّ هذا العرض من القلائل التي تُنظَّم مجانًا في الفضاءات العامة، ما يمنح جمهورًا أوسع فرصة للحضور دون عوائق مادية، خاصة في ظل تواصل ارتفاع نسب التضخم وغلاء المعيشة، الأمر الذي جعل أسعار تذاكر العروض الثقافية والفنية تفوق قدرة شرائح واسعة من التونسيين، خصوصًا الشباب والطلبة والعائلات محدودة الدخل.
في المقابل، تُقدم تجارب إقليمية ناجحة، على غرار مهرجان "موازين – إيقاعات العالم" في المغرب، نموذجًا جديرًا بالاهتمام، إذ يُنظَّم على مدى سنوات في فضاءات مفتوحة، ويتيح للعموم حضور أغلب الفعاليات دون مقابل مادي. تجربة تسلط الضوء على أهمية تكريس الثقافة كحق أساسي لا ترف، وعلى ضرورة كسر الحواجز المالية أمام الجمهور.
ورغم ما تبديه الساحة التونسية من شغف واضح بالتظاهرات المجانية، إلا أن الواقع يواجه تحديات كبيرة، أبرزها محدودية الميزانيات المخصصة للقطاع الثقافي، وغياب استراتيجية وطنية شاملة لدعم وتنظيم مثل هذه الفعاليات، باستثناء بعض التظاهرات الرسمية كمهرجاني قرطاج والحمامات. كما أن نقص البنية التحتية اللائقة في الفضاءات العامة يحدّ من إمكانية تنظيم عروض فنية مستدامة ومفتوحة.
في هذا السياق، يمثل حفل حسان الدوس أكثر من مجرد سهرة موسيقية، بل لحظة ثقافية رمزية تعيد طرح علاقة الفن بالمجتمع التونسي، وتؤكد أن الثقافة ليست امتيازًا لفئة دون أخرى، بل حق جماعي يعزز الانتماء ويرسّخ الروابط الاجتماعية.
لكن لتحقيق تحول حقيقي نحو نموذج ثقافي أكثر انفتاحًا وشمولًا، لا بد من إرادة سياسية واضحة، ورؤية استراتيجية تستند إلى شراكة فعلية بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
فإذا ما توفرت الموارد والدعم، يمكن لتونس أن تتحول إلى منصة ثقافية مفتوحة، حيث تصبح المهرجانات المجانية وسيلة ديمقراطية لإثراء الذائقة الفنية وتوسيع قاعدة المشاركة الجماهيرية، بعيدًا عن منطق الامتياز الطبقي أو الاستهلاك النخبوي للفن.