آراء

المعاهد النموذجية في تونس: وعود التفوق وصدمات الواقع

 رغم مرور أكثر من ستين عامًا على إرساء منظومة البكالوريا في تونس، ورغم أن حوالي أربعة ملايين تونسي يحملون هذه الشهادة، يتزايد اليوم الجدل حول جدوى هذا النظام، خاصة داخل المعاهد النموذجية التي صارت تُوصف من أطراف عديدة بأنها "مصانع للتفوق الوهمي" وفضاءات تخنق الإبداع وتعلّم الخضوع أكثر مما تعلّم التفكير.

شهادات تلاميذ وأساتذة تكشف حجم التفاوت الصارخ بين المؤسسات التربوية، وتسلّط الضوء على نوع من الإقصاء الصامت الذي يطال كل من يخرج عن النسق. واحدة من هذه الشهادات جاءت من التلميذة توماذر علوش، المتحصلة سابقًا على المرتبة الأولى وطنيا، والتي تحدثت في منشور مؤلم عن بيئة وُصفت بـ"السامة" في معهد نموذجي بصفاقس، قتلت أحلامها وساهمت في تقويض ثقتها بنفسها.
التلميذة توماذر اتهمت بعض الأساتذة صراحة بممارسات تحقيرية، ودفع غير مباشر نحو الدروس الخصوصية، فيما يُعامل من لا ينصاع للنموذج العقلي السائد كمجرّد "ظل لا يستحق الاحترام".
في المقابل، يرى بعض الأولياء والمدافعين عن النظام أن هذه المؤسسات ليست موجّهة للجميع، بل لفئة قادرة على مجاراة نسقها الصارم، مؤكدين أن الانتقادات تمسّ بمبدأ "التميّز". لكن الإشكال، كما يوضحه بعض الأساتذة، لا يتعلق بالتمييز في حد ذاته، بل بعدالة التوزيع وآليات الفرز. إذ كيف نُمتحن جميع التلاميذ بنفس الامتحان، بينما لم تتح لهم نفس الفرص التعليمية والاجتماعية؟
و النتيجة هي نظام تعليمي يكافئ النسخ، ويقصي التفكير. لا يحتفي بالمحاولة ولا يسمح بالخطأ، بل يقدّس الإجابة النموذجية. ومن يخرج عن النص، يُقصى ويُوصف بالفشل.
في الجهة الأخرى من العالم، يُحتفى بفكرة المعلم الذي لا يهدم النظام، بل يدفع طلابه لرؤية العالم من زاوية مختلفة. كما في فيلم Dead Poets Society، حيث يُطلب من التلاميذ الوقوف على الطاولة لاختبار زاوية نظر جديدة. الفكرة ليست في كسر النظام بل في إعادة النظر في منطلقاته.
ربما ما نحتاجه اليوم ليس إصلاح شكل الامتحان أو اسم المؤسسة، بل إعادة تعريف العلاقة بين التلميذ، والمعلم، والمعرفة. أن نعيد الاعتبار للسؤال، للتجريب، للاختلاف.
تقول توماذر في كلمتها الأخيرة: "التعليم ليس سباقًا نحو الأداء، بل التزامًا إنسانيًا"،فهل نحن مستعدون لسماع هذه الرسالة؟ وهل نملك الشجاعة لفتح أبواب التعلّم لا على النسخ، بل على أفق الأفكار؟
 
سلمى شهيدة