ثقافة و فن

مساء الوداع: ''جرانتي العزيزة'' تكرّم فاضل الجزيري على مسرح الحمامات

 في مساء الأحد 10 أوت 2025، شهد مسرح الحمامات لحظة فنية استثنائية تحولت إلى وداع مؤثر لمبدع تونس الكبير فاضل الجزيري، حيث قُدّم عرض مسرحيته الأخيرة "جرانتي العزيزة" في إطار الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان الحمامات الدولي، قبل ساعات قليلة من رحيله.

فتح الجزيري عبر هذا العمل نافذة على ذاكرة تونس من الاستقلال وحتى ما بعد ثورة 2011، مستعرضًا حياة عازف كمنجة في فرقة الإذاعة الوطنية، الذي عاش نصف قرن محاطًا بالنوتات الموسيقية وتقلبات السياسة، شاهداً على تقاطعات الفن مع السلطة وتحولات المجتمع.
باستخدام مزيج فريد من الموسيقى والسرد الدرامي، جعل الجزيري الآلات الموسيقية شخصيات حية تنبض بالمشاعر والحنين، مستحضرًا لحظات محورية من تاريخ تونس. وقد تميز الأداء بكفاءة كل من إشراق مطر، وسليم الذيب، وإلياس بلاقي، ومهدي ذاكر، بمشاركة الكوريغراف غيث نفاتي، حيث جمعت اللوحة الفنية بين التمثيل والعزف والرقص لتقدم عرضًا غنيًا بالتفاصيل.
على مدار ساعتين، انتقل العمل بين محطات سياسية وثقافية بارزة، من عهد الحبيب بورقيبة ومجموعة برسبكتيف، مرورًا بأسماء موسيقية ومسرحية مرموقة، وصولاً إلى سقوط زين العابدين بن علي في 14 جانفي 2011، مع استحضار رمزي للأوضاع الراهنة عبر قصة حب تنتهي بالخيانة والانفصال.
لم تكن "جرانتي العزيزة" مجرد مسرحية، بل شهادة فنية تعيد تشكيل الذاكرة الجماعية، وتمزج بين التوثيق والتحليل السياسي، ضمن توليفة تجمع الغناء والموسيقى والكوميديا السوداء.
و عند ختام العرض، علت هتافات وتصفيقات الجمهور طويلاً، احتفاءً بإبداع الجزيري ووداعًا لروح رحلت لكنها ستبقى حاضرة في ذاكرة المسرح والتاريخ، ليظل هذا المساء جسرًا بين الفن والحياة، والوداع والخلود.