في قلب العاصمة التونسية، أثار نزل البحيرة، المعروف بـ"الهرم المقلوب"، جدلاً واسعًا بعد انطلاق أشغال هدم المبنى، بعد سنوات طويلة من الإهمال. هذا الجدل يعكس انقسامًا حادًا بين من يعتبر النزل رمزًا ثقافيًا وتراثيًا يجب الحفاظ عليه، ومن يراه مجرد بناء قديم يجب أن يُفسح المجال لمشاريع عصرية.
صممه المهندس الإيطالي رافاييل كونتيجاني، ويُعد تحفة معمارية فريدة من نوعها على طراز "البروتاليزم"، وقد كان شاهدًا على حقبة الحداثة التونسية بعد الاستقلال ورمزًا لذاكرة جماعية ارتبطت بالزمن الجميل، كما ألهم فنانين عالميين، بما في ذلك تصميم مركبة "ساند كراولر" في فيلم "حرب النجوم".
المدافعون عن الحفاظ على النزل
يدافع نشطاء ومهتمون بالمعمار عن ضرورة إنقاذ النزل، معتبرين أن هدمه يمثل طمسًا لذاكرة المدينة. بالنسبة لهم، لا تُقاس قيمة المبنى بالجانب المادي أو التجاري فقط، بل بالقيمة الرمزية والتاريخية. رغم وعود سابقة من وزارة السياحة في جوان 2024 بالحفاظ على تصميمه الهرمي، أثار انطلاق أشغال الهدم مخاوف من التراجع عن تلك الوعود.
ويحذر هؤلاء من أن استبدال النزل بمركز تجاري يعني انتصار منطق المضاربة العقارية على البعد التراثي، وقد يؤدي إلى فقدان العاصمة لهويتها المعمارية لصالح أبنية حديثة متماثلة تفتقر إلى الروح والأصالة.

ضرورة التجديد والتطوير
من جهة أخرى، يرى مسؤولون أن الهدم مبرر وضروري. وفقًا لمحسن الغرسي، عميد المهندسين التونسيين، فإن المبنى لم يعد يواكب متطلبات السياحة العالمية ولا يُصنف كأثر تاريخي، ويشير إلى حاجة العاصمة لمشروع حديث قادر على تحسين الصورة واستقطاب المستثمرين.
وأكد رئيس المجلس المحلي بباب بحر، النائب معز بن عثمان، أن النزل أصبح هيكلًا مهجورًا منذ أكثر من عقدين، ويمثل مصدر إزعاج وخطرًا أمنيًا، مستغلًا في أنشطة غير قانونية. وأضاف أن قرار الهدم جاء بعد تقارير خبراء تؤكد عدم صلاحية المبنى، وأن المستثمر الجديد قدم مشروعًا سياحيًا وتجاريًا واعدًا يوفر مئات فرص العمل.
عملية البيع ومصير النزل
انتقلت ملكية النزل عام 2011 إلى شركة استثمارات عقارية ليبية بعد أن ظل مهجورًا أكثر من 20 عامًا. ورغم نية الشركة هدمه فورًا، أجلت الأحداث السياسية بعد ثورة 2011 هذا المخطط. وفي النهاية، بيع النزل لمستثمر ليبي خاص بقيمة تقارب 17.5 مليون دينار.
واليوم، ومع انطلاق أشغال الهدم، يبدو أن منطق المضاربة العقارية قد انتصر على البعد التراثي، ليبدأ نزل البحيرة مرحلة جديدة بإعادة بناء عصرية.