هل توجد المدينة الفاضلة ام انها وهم؟ إذا وجدت هذه المدينة يوما كيف تكون ملامحها؟ هل داخلها سيحافظ على ادميته ام سيتخلى عن نصفها ليصبح الة؟ هل يمكن دخول المدينة الفاضلة دون مشاعر الحب والفرحة والخوف والجمال؟ هكذا يتساءل حاتم دربال في مسرحية "سوغرا" التي عرضت الاحد 23 نوفمبر 2025، ضمن العروض التونسية على هامش الدورة السادسة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية.
"سوغرا" نص حاتم دربال ونرجس بن عمار، أداء بسمة العشي وسندة احمدي وتوفيق العايب، سينوغرافيا وفيديو سارجيو غازو وموسيقى وديع عوني ومدير تقني امين الشورابي وإدارة انتاج زينب فرشيشي، انتاج "بي اكتور استوديو".
"سوغرا" المدينة المرجوة، مدينة لا موت فيها ولا شيخوخة ولا هرم، مدينة دون الم او قهر او إحساس بالظلم، مدينة الفرصة الثانية كما تقول الشخصيات الهاربة اليها، في رحلة البحث عن سوغرا ستبوح الشخصيات يقصصها وأسباب هروبها الى المدينة الحلم وهم ثلاث شخصيات يضعهم المخرج في صراع مع الطبيعة والتوحش قبل ان يصلوا الى مكانهم المقصود.

الأولى "كالي" ابنة النجوم من الهناك من بعيد جدا سقطت كنيزك من السماء، كالي هربت قدمت من وراء الجبل، تبحث عن حياة أخرى، مقطوعة العينين تحمل في احشائها جنينا لا تعرف من والده تحديدا، "كالي" وجع يمشي على قدمين، جسد منهك وروح مسروقة واحلام موءودة تريد ان تعيش بقية الحياة بسلام وتمنع عن جنينها توحش البشر، كالي المتألمة فقدت والديها ثم اغتصبت بوحشية وقطع مغتصبيها يديها، كالي تريد دخول المدينة لتنمو لها يدين جديدتين.
الشخصية الثانية "لاما" امّ تهرب من مشاعرها بعد ان هجرتها ابنتها، "امل" اسم الشخصية الأصلي تعيش صراعها الازلي مع طاقة الامومة وافراط في الحب والخوف حدّ هرسلة وحيدتها والتضييق عليها، فالحب إذا زاد كثيرا اصبح سجنا، من سجنها تريد "لاما" النجاة، تقرر خوض الرحلة الى "سوغرا" مدينة الفرصة الثانية لأنها انثى تستحق الحياة.
اما الشخصية الثالثة فهي الدليل الى المدينة، وحده العارف بكل مساربها وثناياها، يحفظ الغابة شبرا شبرا ويعرف مكان كل شجرة فيها "الزاوق" صفة لا اسم، هوايته ترحيل البشر الى سوغرا وايصالهم الى أبوابها، يقبض أمواله ويعود ادراجه، "الزاوق" الشخصية المفصلية مع تقدم الاحداث يكتشف المتفرج انه العارف بسرّ المدينة وغايته تزويدها بالكثير من الشر والناس خاصة المنسيين والفقراء انتقاما لموت شقيقه الذي حلم قبله بدخول سوغرا الأمنية البعيدة التحقيق.

"سوغرا" مسرحية تنقد توحش الانسان، تبرز مدى قسوة هذا الكائن لتحقيق رغباته الخاصة، "سوغرا" صرخة مكتومة ضد انتشار الوحشية وتراجع القيم النبيلة، ولإيصال الرسائل اعتمد حاتم دربال على تقنيات السينوغرافيا فكانت اغلب المشاهد معتمة تماما كأرواح الهاربين من جحيم البشرية، والموسيقى تصمّ القلوب المرهقة من الخوف، كما استعمل تقنيات الفيديو والمابينغ ليكتشف المتفرج معالم سوغرا المنشودة، مدينة الفرصة الثانية التي تنزع عن الانسان مشاعره وتعوضها ببرمجيات واحداثيات.
عبر السينوغرافيا يكشف دربال جحيم الواقع، انتشار رائحة الموت والدم عبر اللون الأحمر، والحروب التي طمست الشعوب والدول والحضارات، طاعون ينتشر بسرعة يأكل الروح والقلب، الم لا نهاية له، تجليات للظلام وسوداوية بشرية مقيتة عبر عنها مخرج العمل عبر توظيف محكم لتقنيات السينوغرافيا من اضاءة وموسيقى وفي
مسرحية "سوغرا" تجربة نقدية أخرى لحاتم دربال، نظرة مختلفة للمدينة والمجتمع وتعرية لبؤس انسان العصر الحديث، شجن حوّله على الخشبة فحرّك شخصياته ببراعة ونجح في نحت ملامح عمل مسرحي متكامل.