ثقافة و فن

مثقفون يتهمون الدورة السابقة لمعرض الكتاب في الترويج للإرهاب الفكري

رفعت الدورة الحادية والعشرين لمعرض تونس الدولي للكتاب شعار" الكتاب في مواجهة الإرهاب" وفي ذلك اعتراف بالكتاب ومركزيته في صياغة المشروع الثقافي وخطوة نحو إقامة سياسة للكتاب تقوم على معرفة حقيقية وموضوعية مدققة بانتظارات المجتمع وحاجاته وآماله ...قدر الكتاب أن يكون بعد حادثة متحف باردو حامل لواء النضال ضد ثقافة الإرهاب والكتاب هو رمز الفكر ولا أحد ينكر أن الإرهاب في تونس بدأ إرهابا على الفكر منذ اقتحام قاعة السينما أفريكارت وبعدها حادثة العبدلية وهدم الأضرحة ... ثم تطور الى الإرهاب المسلح وتعدد القتلى الذين اغتالتهم أيادي الغدر باسم الدين ... بعض  المثقفين قالوا أن تونس بحاجة اليوم الى ثورة ثقافية  تعيد قراءة الإسلام قراءة صحيحة تقبل الآخر وتؤمن بالتعددية ... حول هذه المسألة اتصلنا بمجموعة من المثقفين لمعرفة موقفهم من هذه المسألة وعن الآليات الثقافية الممكنة للتصدي لخطر الإرهاب فكانت هذه الأجوبة :
فاتح بن عامر: فنان وجامعي
 شعار الدورة هو شعار يرفع التحديات الكبرى التي تواجهها الثقافة أساسا يعني أن المستهدف الرئيسي لم يكن أبدا العدّة السياسي أو المنافس السياسي بل الثقافي لأنه المحافظ الوحيد على وجه حداثة المجتمع وبخاصة المجتمع التونسي وحيث أن نمط العيش هو الهدف الرئيسي للإرهاب بالنزعة الإسلاماوية فإن ما شهدنا من اعتداءات على المثقف والمبدع كان فظيعا لأنه يرمي الى تغليب وجهة نظر الفقيه على وجهة نظر المثقف وهو ما انخرطت فيه عديد الوجوه والرموز الدينية والمفتعلة والمفبركة من أجل احتلال واجهة الثقافة التونسية وتذويب خصوصياتها ضمن تصور شمولي لإسلام لا علاقة له بالكتاب بل بولاية الفقيه "الملفق"  على العامّة من أجل إتمام السيطرة على تفاصيل الجمهورية اقتصادا وسياسة وثقافة , لذلك كان المثقف والكاتب على الخط الأول والأخير في المقاومة من أجل عدم التفريط في المكاسب الحداثيّة , وعليه ومقارنة بدورة معرض الكتاب 2011 غابت الكتب الصفراء وغابت العطور الآسيوية واللّحي المصطنعة وحضر كتاب الفكر والعقل مستعيدا موقعه أمام ثقافة النقل العقيم .
ونحن في حاجة الى استراتيجية ضخمة من حيث الإمكانيات البشرية والمادية حتى نواجه إرهابا مزدوجا هو الإرهاب العسكري العنيف والإرهاب الإعلامي , لذلك لا بد من دعم الكاتب عبر هذه الإستراتيجية ودعم الكاتب والمثقف لضمان استمرار تقدّم المجتمع في حيّز المعاصرة والإنفتاح .مازال الكتاب في حاجة إلى دعم هو بوصفه هدفا والكاتب منتجا للرأس المال الرمزي والناشر وسيطا .
حبيب بيدة: أستاذ جامعي وفنان تشكيلي 
معرض الكتاب قبل أربع سنوات خلت كان من التظاهرات التي شجعت على الإرهاب من حيث كمية الكتب التي جاءت بها أول دورة بعد الثورة ولا نعرف الى الآن من شجّع على إدخالها، كتب صفراء غريبة لا عهد لتونس بها ... الإرهاب دائما له منطلق فكري من خلال التأثير بمقولات يجدون لها من يسمعها ويتبناها ويجتمع حولها ...  علامات الإرهاب الواضحة في تونس بدأت باجتماع أنصار الشريعة في القيروان والإستعراض المهول
للقوة والعدد. أما حادثة العبدلية فأعتقد أنها لم تكن في وقتها كانت حادثة استفزازية لبعض الناس فاستغلها آخرون متخذين منها تعلّة للركوب على الحدث الذي كاد وقتها أن يتحول الى معركة شوارع... الثقافة هي التي تحدد وظيفتها وهي السلاح ضد هذا الفكر الظلامي الدخيل وهي إما أن تنوّر العقول أو تنشر الظلام وثقافة الموت ... نحن الآن بحاجة الى ثورة مجتمعيّة شاملة يكون فيها الشأن الثقافي هو الأساسي لأنه القاطرة التي تجر الاقتصادي والاجتماعي.
نجيب عياد: منتج سينمائي
الكتاب وحده لا يمكن له أن يواجه هذا الخطر ويتصدى له وإنما الثقافة بمعناها الشامل تملك كل امكانيات التصدي ويكون ذلك بتطوير المناهج التعليمية والفكر الذي يجب أن يحمله الشاب (لأنه المستهدف كأداة تدمير) هو الفكر النقدي... معرض الكتاب منذ سنتين خلت جاء بمجموعة كبيرة من كتب التطرف والشعوذة والبخور فإذا كان هذا هو الصف لمعرض الكتاب فنحن بالضرورة نخلق فكرا ايديولوجيا خطيرا...الفنون تساهم في تنويع المشهد الثقافي وتنشر الوعي بالجمال وقبول الآخر لكن العمل البيداغوجي مهم ... ثورتنا لا رأس لها والثورات الناجحة هي التي يقودها الفكر وأصحاب الريادة الفكرية...ثورتنا تزعمها شباب طالبوا بالشغل والحرية والكرامة فركب عليها السياسيون فانعرجت عن مسارها . اليوم إذا أردنا ثورة لا بد أن تكون ثقافية شاملة تبدأ بالتعليم وإصلاح السلوكيات واحترام القوانين والتعامل المتحضر وقبول الآخر ... هذه الأمور كانت نسبيا موجودة في الأشهر الأولى للثورة وبداية تحقيق الحلم لكن تخلي المثقف عن دوره وانشغاله بالسياسة وانتهازية بعض الأحزاب انحرف بالثورة عن مسارها مما مهد لظهور تيارات دينية متشددة انتشرت وتكاثرت لتصبح خطرا حقيقيا على البلاد والعباد.
سالم بوخداجة: أستاذ الحضارة بكلية الآداب سوسة
الظاهرة الإرهابية دخلت في إطار العولمة مما يعني وجود حركات إرهابية عبر القارّات  لكنّها في تونس تعتبر ظاهرة جديدة نسبيا التي لم تتعود عليها باستثناء حادثتي سليمان وجربة ... ولا يجب أن نوهم أنفسنا بأن التصدي لهذه الظاهرة مسألة هيّنة  بل ستأخذ الكثير من الوقت ولذلك أعتقد أن الوصفات الجاهزة والسريعة يمكنها أن تحدّ من الظاهرة دون أن تقضي عليها من جذورها وبالتالي تلزمنا سياسة وطنية طويلة المدى للتعامل مع الظاهرة ومواجهتها , وهي سياسة ذات وجوه من بينها وجه اجتماعي اقتصادي يفرض حسن التعامل مع البؤر المنتجة للإرهاب والمتمثلة في الأحياء الفقيرة والمهمشة  والعناية بالطفولة في تلك البيئة التي تولد الحقد والنقمة وتنتج الإرهابيين , وكذلك وجه ثقافي فكري يعتمد على نشر الفكر التنويري المعتدل السوّي منذ الطفولة  من خلال توفير كتب ذات مضامين قيميّة  تغرس في الطفل ويشب عليها ..وكذلك وجه متعلق بالسياسة  التربوية وهي من مشمولات الدولة حيث نلاحظ أن الشعب العلمية لا تدرس سوى المواد العلمية  وتهمل تدريس الفلسفة وعلم النفس ...نحن نطالب بسياسة تربوية تعليمية هدفها تكوين مواطن قبل تكوين المهندس والطبيب , مواطن قادر على العيش في مجتمع متعدد متنوّع يؤمن بالإختلاف وقبول الآخر , نحن فعلا بحاجة لثورة ثقافية لإعادة انتاج قيم جديدة وانسان جديد منسجم مع العصر الحديث ومرتبط بتراثه .
هذه السياسة لابد أن تكون محل اجماع وطني تستند الى ميثاق وطني تمضي عليه كل الأطراف السياسية لإسكات كل المتاجرين بالدين والذين يدعون أنهم يتكلمون بما يقول القرآن... نحن لا نقول أنهم يعتمدون قراءة خاطئة للقرآن لا تتوجد قراءة خاطئة وقراءة صحيحة بل هناك قراءة ممكنة وأخرى غير ممكن ونتساءل: هل من مصلحة المسلمين اليوم قراءة الإسلام قراءة راديكالية؟  هنا يكمن المشل خاصة في عالم معولم صار قرية صغيرة، القراءة المتشددة تسيء للإسلام أكثر مما تخدمه ونحن اليوم بحاجة الى تجديد الفكر الديني فالنص القرآني وكذلك النص النبوي نص صامت والقراءة هي تأويل وفهم له ... الفهم عمل بشري ينصب على نص ديني مقدس والتأويل هو اجتهاد بشري ولا يمكن الحصول على تأويل لا دخل للبشر فيه وهنا سنجد أنفسنا أمام تأويلات وقراءات بشرية تحركها المصالح والأهواء والانتماءات السياسية وهو صراع سيفرض فيه المنتصر تصوره بالضرورة. والحداثيون مطالبون بتطوير وبلورة تصورهم لفرضه بهدف تقريب الإسلام وقيم الحداثة على غرار حقوق الانسان ومكانة المرأة والتعايش السلمي وغيرها من القيم.