آراء

شيء ما سيحدث !

يبدو أن "السكرة قد انتهت -أو هي على وشك الانتهاء- ليحضر الدائنون"، كما يقول المثل الدارج التونسي، فبعد أشهر قليلة من راحة تغيير "سرج النهضة" وتابعيها بـ "سرج النداء" وتوابعه أزفت كمية الأكسيجين على الانتهاء. فليس بالأمل وحده يعيش الإنسان، وبدا التونسيون يحسون مجدداً بضيق في التنفس، أما علاماته فماثلة أمام العين المجردة: لعنة أصابت "مبعوث العناية الإلهية" (نداء تونس) فانشطر هو أيضاً على شاكلة انشطار هيكلي شق البلاد والعباد منذ 4 سنوات، إعلام منفلت بكل المقاييس يرفس رفس فيل في معرض للخزف الصيني، فضائح متتالية وغسيل قذر منشور للعموم لرجال أعمال ومال في مجتمع عز فيه المال وضاقت به الأعمال، موجات إضرابات متتالية ومطلبية عامة مجحفة أمام ميزانية تئن تحت وطأة العجز والتداين. معدلات انتحار يومي صاروخية، جرائم بشعة تقشعر من فظاعتها الأبدان وسقوط أخلاقي مدوٍ لـ "رموز" إعلامية وسياسية آخرها فضيحة تحيل تورط فيها "نجم تلفزيوني" قد يكون الشجرة التي تحجب الغابة!
ذلك قيض من فيض ما يعتمل في الأحشاء التونسية التي قيل إنها كانت تلتهم لحوم 6 آلاف حمار في الشهر على أنها لحوم أبقار، وليست تلك آخر فضيحة تجارية وسط ترقب حذر لما ستزود به الأيام المقبلة وقد أطل من بين ثناياها "مشروع قانون حماية الأمنيين"، واشٍ بالطبيعة الزجرية القصوى التي يراد أن يكون عليها الزمن القادم، وواضعاً في المحصلة قوتين متقابلتين: واحدة في أوج تسيبها وثانية ذروة الاستعداد لتصلبها!
الآن كل شيء هناك يجري بالقانون، وحتى إعلان وزارة الداخلية القبض على "قائد خلية أبو مريم" الإرهابية كان بالقانون، ثم إطلاق سراحه بعد أربع وعشرين ساعة من طرف قاضي التحقيق. تم أيضاً بالقانون، كذلك إيداع "النجم التلفزيوني" سمير الوافي السجن بتهمة التحايل على رجال أعمال جرى بمنطوق القانون. بعيداً عن الضيق بـ "حرية التعبير" كما يحرص المسؤولون على التأكيد بمناسبة وبدون مناسبة، ومع ذلك فقد تجرأت حركة "النهضة" وحيدة على التنديد بالأمر ورأت فيه تهديداً لمكاسب الإعلام، ثم انبرى محامو "الترويكا" للدفاع عن المتهم، وكأنهم يستشعرون شيئاً ما!
بالتأكيد أن هؤلاء ليسوا وحدهم من يستشعرون ذلك الشيء الغامض القادم، إلا أن هناك في الأمر قولين: إن يكون كل شيء محكم الترتيب بحكمة حكيم وبرؤية متبصر يمسك دفة القيادة نحو المرفأ بقوة ويمخر عباب تونس المائجة غير عابئ بالرذاذ المتناثر من هنا وهناك، أو إن يكون الأمر ماشياً على قواعد "الفوضى الخلاقة" ومنسدحاً على عجلات "التدافع الاجتماعي" السليقي، مع كل السمك الصغير النافق الذي سيلفظه على الشاطئ وتحت الهجير، هجوم الحوت الجريح على بعضه البعض!
يروي علماء الأحياء عن حوت الدلفين المفترس أنه يفقد صوابه عندما تسيل منه الدماء، فيهرع إلى أقرب الصخور يرطم عليها جسمه الضخم لتخفيف الألم بألم أكبر، ولعلها المداوة بالتي كانت هي الداء!
هناك شيء ما سيحدث.. اللهم اجعله خيراً..

فيصل البعطوط