اعلنت الجامعة العامة التونسية للشغل اليوم الخميس 9 جويلية 2014 في ندوة صحفية و قد قدمت عبر قيادتها ومحاميها تفاصيل الحكم الصادر يوم 26 جوان الماضي عن المحكمة الادارية والقاضي بعد قبول القضية المرفوعة اليها شكلا واصلا بإلغاء قرار الحكومة الذي حرم الكنفدرالية من حقها القانوني في التفاوض وإلحاق نقابيين متفرغين لإدارتها وحجب الخصم من أجور منخرطيها لسنوات 2012 و 2013 و 2014 كحرمانها من المساعدات المخولة لها على غرار بقية المنظمات والقضاء كذلك بحمل المصاريف على كاهل الدولة.
ولا يخفى عليكم اننا اعتبرنا القرار انتصارا ومكسبا للحركة النقابية وللتعددية النقابية تجلّى من خلال :
ربط الوجود القانوني للهيكل النقابي بالتمتع بالامتيازات المقدمة من الدولة
حيث بينت المحكمة الإدارية أن "الوجود القانوني لهيكل نقابي يستتبع بالضرورة جميع الحقوق والامتيازات المرتبطة بالحق المضمون دستوريا وبالتالي يحمل على الدولة تطبيق المقتضيات الدستورية المشار إليها مع عدم وضع حد لممارسة الحق النقابي ".
إضفاء القيمة الدستورية على الحق النقابي
حيث رأت المحكمة ان "لا خلاف في ان مبدأ ضمان الحق النقابي ومبدأ تيسير ممارسة ذلك الحق ينتميان الى زمرة المبادئ ذات القيمة الدستورية التي توجب على الدولة احترامها وتوفير مقومات ضمانها"
بيان التمييز الدستوري بين الحق في تكوين النقابات وممارسة الحق النقابي
حيث اعتبرت المحكمة "ان رفض الادارة تمكين الجامعة العامة التونسية للشغل من الحقوق والامتيازات المترتبة عن صفتها كمنظمة نقابية يؤول الى افراغ مبدأ حرية ممارسة الحق النقابي من أهم مكوناته ".
من أجل تحديد شروط التمثيلية النقابية
ان مثل هذا الحكم القضائي ، على أهميته ، لن يكتسب الفائدة المرجوة منه إلا اذا وجد طريقه الى التنفيذ الفعلي بما يمكّن منظمتنا النقابية من الآليات الضرورية الدنيا لأداء رسالتها. ورغم قناعتنا بأن زمن تفصّي الدولة ومؤسساتها من تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها قد ولّى فإننا على استعداد لمواصلة العمل النضالي من أجل تحقيق هذا المكسب على أرض الواقع ونحن درك ان جهدا مضنيا ينتظر منّا بذله لحمل الدولة ومؤسساتها على الوفاء بالالتزام الذي فرضته عليها بالقانون محكمتنا الادارية الموقرة.
ونحن واعون أيضا بأن جهدا آخر لا يقل قيمة ينتظرنا ولكن يسّره لنا الحكم القضائي المشار إليه وهو وضع شروط دقيقة محددة للتمثيلية النقابية. فلا مجال لاحتكار التمثيل النقابي من طرف منظمة واحدة مهما كان حجمها فما بالكم إذا كان 10 بالمائة فقط من عموم الشغالين التونسيين منخرطين في النقابات وأن 10 بالمائة من هؤلاء ينتمون للقطاع الخاص رغم أنه يشغل أكثر من 72 بالمائة من الأجراء؟. ولا مجال أيضا لاحتكار التمثيل النقابي من طرف منظمة واحدة مهما كانت ومهما كان حجمها ذلك إن الواقع و منطق الإنتقال الديمقراطي يفرضان تمثيلية نسبية وهي تعني بالضرورة حق الأقلية في الوجود والفعل أيّا كان حجم الأغلبية ودورها والمكاسب التي حققتها للشغالين وللبلاد عامة. كما أن من المقاييس التي يجب اعتمادها في تحديد شروط التمثيلية في رأينا الشفافية المالية و عدم التورط في ملفات فساد و الإستقلالية عن الأحزاب السياسية و استعمال العنف ضد مخالف في الرأي
من جهة أخرى، لم يكن الحكم القضائي غاية في حد ذاته بل وسيلة نأمل ان تمكن العمل النقابي في بلادنا من تحقيق نقلة نوعية ترتقي بها المنظمات الى مرتبة المنظمات المواطنة أي تلك التي تطرح بديلا اجتماعيا اقتصاديا وتقد م نفسها لا فقط كقوة معارضة بل كذلك كقوة اقتراح.
وفي هذا الإطار نشير إلى ان الجامعة العامة التونسية للشغل طرحت مشروعا نقابيا طريفا منذ تأسيسها في 3 ديسمبر 2006 وتبناه مؤتمرها الوطني الأول المنعقد بمدينة نابل يومي 3 و 4 ديسمبر 2011 حول إعادة تأسيس الحركة النقاببة و الانتقال من ثقافة الوطنية إلى ثقافة المواطنة والتمسك بالحرية النقابية ووحدة العمل بين مختلف المنظمات النقابية. وفي هذا الإطار قدمت الكنفدرالية عدة مشاريع منها :
مفهوم جديد للهيكلة النقابية يعتمد المبدأ الكنفدرالي في التنظيم و يحد من المركزية المشطّة ويكرس تمثيلية فعلية للمرأة و الشباب و الإطارات
مقترح جاهز لتنقيح مجلة الشغل
مشروع مراجعة العقود المشتركة يعتمد المقاربة حسب الكفاءات مع مراجعة هيكلة العقود الحالية بما يتماشى مع تطور منوال الإنتاج العصري
تكوين 24 نقابة للإدماج المهني للشباب وهي بالتالي أول منظمة نقابية تهتم بالشباب الجامعي في مرحلة ما قبل العمل
منوال تنمية يعتمد مقاربة متفردة لشراكة ثلاثية الاطراف بين القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع التعاوني وهو منوال تنمية جديد يقوم على فكرة اعادة تأسيس الدولة وتقسيم الادوار بينها وبين القطاعات المذكورة.
دراسة مستقبلية عن أفاق التنمية بتونس في أفق سنة 2040.
الوقوف بحزم إلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل أثناء الاعتداء الوحشي الذي تعرض له في 4 ديسمبر 2012 و ساندت ترشحه لجائزة نوبل للسلام تكريسا لمبدأ وحدة العمل النقابي المشترك في إطار التعددية النقابية
ماذا تعرف عن الجامعة العامة التونسية للشغل؟
تعميما للفائدة نحيط الحضور علما بأن الجامعة العامة التونسية للشغل تأسست في 3 ديسمبر 2006 كوريث شرعي لجامعة عموم العملة التونسية التي أسسها محمد علي الحامي والطاهر الحداد والمختار العياري سنة 1924.لكن النظام السابق مارس ضد مؤسسيها الكثير من التضييق انتهى بمنعهم من النشاط. وقد لجؤوا مضطرين إلى تقديم شكوى ضد الحكومة التونسية في العهد السابق في أكتوبر 2007 لدى منظمة العمل الدولية من أجل خرق الحرية النقابية .
خلال سنة 2011 بدأت الجامعة مرحلة جديدة من النضال تمكنت اثرها من انتداب عشرات الآلاف من الشغالين مما أهلها لعضوية الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي وعقدت مؤتمرها الأول يومي 3 و4 ديسمبر من نفس السنة حيث تم انتخاب قيادتها.
وقد تميزت الجامعة باستقلاليتها و نظافة يد مناضليها و الشفافية المالية معتمدة على مواردها المالية الذاتية ونضالية اطاراتها بالرغم من العراقيل الجمّة التي تعرضت لها مما اضطرها مرة أخرى إلى تقديم شكوى ضد الحكومة لدى منظمة العمل الدولية في جوان 2012.
لقد كانت الجامعة تأمل ممارسة نشاطها في اطار فضاء الحريات واحترام حقوق الإنسان الفردية والجماعية الذي أفرزته ثورة الحرية والكرامة . لكن للأسف الشديد فإن الثورة التي أفرزت مئات الأحزاب السياسية من مختلف المشارب وآلاف الجمعيات المدنية لم تجد فيها التعددية النقابية المكانة التي تستحقها حيث ظلت عقلية النقابة الواحدة مهيمنة لا فقط على عقول بعض النقابيين الذين يرون في الاختلاف خلافا بل كذلك على عقول الكثير من السياسيين.
ومن هنا تأتي أهمية الحكم الذي قضت به المحكمة الادارية لا فقط لكونه أعاد حقا مغتصبا إلى أصحابه بل لأنه جاء تكريسا للتعددية ودعما قويا للانتقال الديمقراطي في أبهى صوره. ". "