يعد المخرج والمنتج السينمائي هشام بن عمار شخصية ثقافية بارزة بمواقفها ازاء الفن والمجتمع...اختار التخصص في الأفلام الوثائقية ايمانا منه بأن الصورة هي أداة للتنمية الثقافية ورفع للمستوى العام الثقافي للمجتمع من خلال بث الوعي النقدي به ودعم روح المواطنة في صفوفه.
من ابرز اعماله الوثائقية «كافيشنطا» و«رايس الابحار» و«رمضان في طوبى» و«شوفت النجوم في القايلة» اما اخر افلامه فهو شريط «تونس تنتخب».
تجلس اليه فيشدك فيه توقده الفكري وحماسته الفياضة لثقافة الصورة التي كانت محور لقائنا معه في هذا الحوار:
بصفتك منتجا ومخرجا سينمائيا بماذا تفسر رعب السلطة من الصورة السمعية البصرية؟
ان الصورة ليست معطى عبثي بل هي كشف للواقع وتعرية للحقائق وحجة تفتح المجال للتحليل والنقد لهذا نجد السلط الديكتاتورية تحذر من الصورة السمعية البصرية وتجتهد في تقييدها.
اما مدار الرعب بالنسبة الى السلطة فيبلغ اقصى اتساعه في الاشرطة الوثائقية لأن الصورة الوثائقية هي التي تفرض نفسها على المخرج الذي عندما يحمل الكاميرا وينطلق في التصوير الميداني يواجه المجهول من خلال الاحتمالات العديدة والحالات الطارئة والمفاجآت.
الصورة تعتمد على المجهول لتوثيق لحظات من الواقع المتحرك عكس المخرج الروائي الذي يعمل على التحكم في الواقع للسيطرة على كل مراحل تشكيل الصورة.
في الفيلم الوثائقي لا يهيمن المخرج على الواقع لكن حسه الفني وبعده الذاتي يبرزان فقط من خلال اختيار زاوية التصوير. وتموقعه لالتقاط شريط الصور هو في حد ذاته موقف يتطلب منه الحرية والتلقائية والاستعداد للمغامرة مما يتناقض كليا مع مبادئ اللغة الخشبية الرسمية.
ألا ترى ان الصورة الوثائقية غير محايدة كما انها تفتقر الى الروح الابداعية المنشودة في كل عمل ثقافي؟
لا يمكن ان تكون الصورة محايدة لأنها تصوّر..هي ليست الواقع...ولكل انسان تصوّره للواقع...العدسة من خلال تموقعها في فضاءات الواقع تحدد عناصر فرادتها وتشخص الرؤية الخاصة لقناصها بحيث يتمكن لاحقا كل ملاحظ واستنادا الى رصيده الثقافي والايديولوجي من تقبلها بطريقته الخاصة.
الصورة ليست الا علاقة مع موضوع وليست صورة لشيء وموضوع الصورة يبقى وهما محضا.
كيف يمكن الحديث عن النزاهة الفكرية في تعاطي المخرج مع الصورة؟
النزاهة الفكرية تبنى بالوعي ولا تفهم الا به باعتبارها مساهمة نسبية ومتواضعة في نقاش عام.
السينما الوثائقية لاتقدم الحقيقة المطلقة بل تطرح مقترحات متناسقة فنيا وبهذا التناسق تدافع عن نفسها خاصة انه لا وجود لصورة تدعي امتلاك الحقيقة وتقديمها للجمهور.
الصورة الوثائقية احدى الشطحات الابداعية لصاحبها الذي يحاول تفجير طاقاتها بما يعطيها بعدا فنيا يجعلها متمايزة عن الصورة الصحفية البحتة.
كيف يمكن مقاربة العلاقة بين الصورة الوثائقية وعامل الزمن؟
الزمن هو عامل «تخمير» للمادة الخام من عملية التصوير حيث يفسح المجال لتحليل ركام من الصور وتركيبها في هيكلة سردية وتنزل كل صورة في اطارها المضموني والوظيفي على غرار بنية «الساعة».
فعندما تلتئم كل اجزاء الشريط تدق عقاربه بالنبض تماما مثل آلة الزمن.
وتقابل هذه الصورة الفنية الصورة الصحفية التي تتطلب سرعة العرض في نسق استهلاكي يومي مبني على المعلومة والخطاب وكل بطئ في نشرها يفقدها قيمتها الاعلامية ولكن يحولها في الان نفسه الى وثيقة ارشيفية وتاريخية.
وتجدر الملاحظة هنا ان الصورة الفنية لا تقوم على المعلومة فقط بل على بلورة المعلومة من خلال الاحاسيس لايجاد معنى.
ألا ترى ان الفضائيات التلفزية بما لها من امكانيات مادية كبرى قد سحبت البساط من الاعمال الوثائقية المستقلة؟
كان ذلك صحيحا في وقت قريب لأن من يملك القدرة على البث يتحكم في الانتاج لكن اليوم ادى تعميم التجهيزات الرقمية واتساع دائرة الانترنات ومواقع الاتصال الاجتماعي الى كسر طوق امتلاك عملية البث والنفاذ الى الجماهير من خلال الجهود العفوية لعدسات المواطنين والفنانين لكن الاشكال الذي يظل قائما هو ان الفيلم الوثائقي الحر والمستقل الذي لا يخضع الى كراس شروط القنوات يتعرض للتهميش.
وبقدر ما تعممت ديمقراطية الانتاج ظهرت حواجز جديدة تقنن وتقيّد الصورة الوثائقية حسب الخطط التحريرية للانتاج التلفزي.
امام تعرض المشاهد العادي لهجمة الصورة وكثافتها بلا انقطاع كيف السبيل لتحصين وعي هذا النوع من المشاهدين من التلاعب بمشاعره وأفكاره دون ان ينتبه؟
المطلوب اليوم توسيع دائرة تكوين الأجيال الصاعدة لفهم عالم الصورة وتفكيكه وتحليل عناصر اللغة السمعية البصرية واستيعاب عملية صنع الصورة لادراك خلفياتها وامتلاك نظرة نقدية ومسؤولة.
وكيف يتم تجسيم هذا الطرح؟
بتعميم النوادي في المدارس والمعاهد وتكوين وتأهيل الاساتذة بمختلف اختصاصاتهم في مجال الصورة وكذلك بإدماج خريجي معاهد السينما في دورة التنشيط الثقافي بالمؤسسات التربوية والتعليمية.
ونحن اليوم نناضل من اجل هذا الهدف لرفع المستوى العام لمتلقي الصورة.وقد اعددنا برنامجا في الغرض سننفذه بمدينة بنزرت من 19 الى 22 افريل تحت شعار «حق التعليم وحق الثقافة».
الصحافة