ثقافة و فن

المغرب : العلامة الكاملة لفيلم ''وليلي''

هانَ البلد الغابر إلاّ آثارُهُ و بان للشعب العابر دثارُهُ . إذا كان منهم جماعاتٌ يرون في ما بقيَ من قلاعِ الملكِ مبانيهِ فإنّ أفرادا يبصرون من الصّخر الثابت معانيه .
أوّل ما يُحدَّد للمولود الجديد هو اِسمه و أوّل ما يُعَرِّفُ به لكلّ طرف جديد هو تسميتهُ ، فإذا كان حاله كحال الأمم الغابرة سيمثّل اِسمه ضمانة على سَلَفيّة وجودهِ في زمن ما ، و إن كان حاله كحال المُسمّيات سيمثّل اِسمه ضمانة على اِستمرارية وجودهِ أبدا ما .   
و مَثل ذلك أسماء الديانات و الأنبياء و الأمم كافة و من ذلك قُراهم و مُدنهم و اِمبراطوريّاتهم على غرار مدينة " وليلي " المغربية القائمة على إثر مدينة أثريّة تحمل نفس الإسم و التي يقال لها باللغة اللاتينية  " volubilis ". 
و قد اختار المخرج المغربي فوزي بن سعيدي تسمية " وليلي   volubilis" عنوانا لفيلمه المشارك ضمن مسابقة الأفلام الطويلة لأيام قرطاج السينمائية في دورتها الثامنة و العشرين و الذي عُرض أمسِ بقاعة الكوليزي في اِنتظار عرضه اليوم بقاعة " أ ب س " .
حيث اِستُمِدَّ عنوان الفيلم من عراقة المكان الأثري و دلالته على الديمومة لتُسقَط قيمة الآثار على قيمة الفيلم بصفة موضوعية ثمّ إنّ الأطاريح التي يعالجها الفيلم تعنى بالجانب الإجتماعي خصوصا ، بما فيه من تشعبات علائقية و اِختلافات جوهرية و التي هي صالحة لكل زمان و قابلة للوقوع في أي عهد مثلها مثل الآثار .
الفيلم من بطولة محسن مالزي و نادية كوندة المتحصلة على جائزة أفضل ممثلة بمهرجان الجونة السينمائي بمصر في شهر سبتمبر الماضي و تتناول أحداثه قصة شاب يكابد من أجل لقمة العيش يعمل حارسا بفضاء تجاري كما يصور الظروف العامة لعائلته و محيطها البسيط لتشارك زوجته في مسيرة الكفاح اليومي بالعمل لدى عائلة أرستقراطية إلى أن حدثت نقطة التحول على إثر خلاف جد بين الحارس و بين سيدة من طبقة ذات نفوذ تسبب في أذيته جسديا و تحطيم حياته بطرده من العمل لتتأزم حاله أكثر في علاقته بنفسه و في علاقته بزوجته مما يستدعي في النهاية اِضطراره إلى مغادرة المدينة و بين البداية و النهاية يطرح الفيلم قضايا الحب و الصداقة و الطبقية و سلطة القوي على الضعيف  و ملامح المجتمع المخملي و ما يعانيه من مظاهر الخيانة و الوحدة و اِستغلال النفوذ و غيرها .
إن المحرك الأساسي و الخيط الرابط للتسلسل الدرامي هو العاطفة الجياشة التي تجمع الزوج الحارس بزوجته و التي على أساسها تُغزل الأحداث إذ بلغت ذروتها في محاولته الانتحار حرقا بعد فقدانه لزوجته نتيجة الخلافات دلالة على أنه لخص الحياة في شخص واحد كان يقاسمه إياها . 
كما كانت مكانة الصديق المقرب حاضرة بقوة إذ شاركه همومه و سانده في كثير مما أتى على فعله .
بعض هذه المواضيع التي أتينا على ذكرها و غيرها مما تركناها لاِكتشافكم إياها و التي حيكت بحرفية عالية من ناحية المضمون تبعها حرفية عالية على مستوى الشكل حيث أن المخرج فوزي بن سعيدي أبدع بصفته مخرج الفيلم و مؤلفه بدرجة أولى ثم بصفته ممثلا مشاركا فيه بدرجة ثانية .
كل أمكنة المشاهد اُختيرت بدقة لإبلاغ الفكرة من ناحية ، و أضفت على الصورة جمالية نوعية مما ساعد الممثلين على  حسن أداء أدوارهم و خلق إبداعهم بعفوية اِحترافية و تكاد لا تجد ثغرة أو تفصيلا خارج السياق أو دون توظيف .
شاركت المغرب هذه السنة في أيام قرطاج السينمائية إلى حد الآن بأفلام إبداعية من نواحي عدّة على غرار " ضربة في الرأس " مما يدعو إلى تسليط الضوء على النور الآتي من المدرسة المغربية ، و كل صناعة هي اِقتصاد بالأساس أو بالأحرى هي سوق اِقتصادية تؤثر و تتأثر بالملمح العام لاِقتصاد البلاد و حيث تشهد المغرب تطورا مثيرا للانتباه في السنوات الأخيرة على مستوى الاِقتصاد و السياحة و مجالات العمل و الخدمات فإن ذلك من شأنه أن يُرفق في عملية تقدمه تقدم مجالات أخرى و منها السينما و الأفلام المغربية المشاركة لخير دليل على نظرية التطوّر.

 

امير وسلاتي