ثقافة و فن

'كونسرتو ملقة ': نسمات الفن الأندلس قديمه وحديثه

 في الأمسية الثالثة من المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية بالجم، كان عشاق الموسيقى الكلاسيكية ليلة السبت 20 جويلية 2019 على موعد مع رحلة إلى "مالقا" يحمله إليها "كونسرتو مالقا" الذي اعتلى ركح القصر الروماني الأثري بمجموعة موسيقية تتكون من 7 عازفي كمان وعازفي تشيللو وعازف باس مزدوج، قادهم جميعا المايسترو خوسيه دي فالديز وشاركهم العزف المنفرد اثنين من خيرة الموسيقيين في العالم، الملحن  وعازف البيانو الأمريكي "كيمبال غالاغر" وعازف الساكسوفون " أولريش  برونهير".

ويتكون "كونسرتو مالقا"، الذي تأسس عام 1996، من خيرة الموسيقيين الإسبان الشبان الذي يعملون على إعادة تقديم الموسيقى الكلاسيكية الاسبانية لتستعيد مكانتها ومجدها في عوالم الموسيقى كواحدة من أهم فصول التاريخ الموسيقي والفني الغربي.

في هذه السهرة الإسبانية بامتياز، وبعيدا عن الصورة النمطية للفن الاسباني، تلك التي تجمع بين الألحان البسيطة للجيتار والنسوة الراقصات عليها بفساتين رقصة البولكا من إشبيلية،

قدّم الفن الاسباني بصورة جديدة لمحبي الكلاسيكيات في تونس.

وتضمن برنامج "كونسرتو مالقا" أعظم أعمال الملحنين الإسبان في العصر الذهبي للموسيقى الكلاسيكية الإيبيرية مع أعمال خواكين تورينا و اسحاق البينيز و مانويل دي فالا.

ومع سماع أول النوتات، تغمر المستمع روائح إسبانيا، ذلك البلد الجميل، مع إحدى أجمل سمفونيات الاشبيلي وأحد أعظم مؤلفي الجيل الثاني في اسبانيا  خواكين تورينا و مقطوعته الموسيقية الشهيرة:The Oracion del Torero ، وهو عمل جميل ومختلف مستوحى من صلوات مصارعي الثيران.

لتكون ثاني محطات الرحلة في عالم الأندلس، وما تبعثه الموسيقى الاسبانية من حنين العرب إليها، مع السمفونية الثانية لفريديريك شوبان مع عازف البيانو كيمبال غالاغار الذي أبدع في العزف مع كونسرتو مالقا، فبدا عازفا متمكنا يدهش الجمهور ويحمله إلى تساؤلات عدة عن براعة بني البشر في الفن وكيف للموسيقى أن تهزّ روحه أو تروضها.  

هذا العازف الذي اعتاد على العزف أمام الجمهور التونسي، اذ عزف أمامه مرات عدة في إطار مشروع تونس 88 التربوي الذي جمع 88 معهدا وقاده عازف الساكسوفون  اولريش برونهوبر.

 

وتواصلت الأمسية الاسبانية المنعشة، مع واحد من أعظم الملحنين الإسبان الكلاسيكيين من مدرسة القرن التاسع عشر، إنريكي جرانادو  

 هذا العمل مستوحى من لوحة غويا  وهو عبارة عن لوحة جدارية حقيقية تجمع بين أضواء إسبانيا، إيقاعاتها الفريدة و الألحان الرومانسية التي تذكرنا بنهاية القرن التاسع عشر وتأثيرات الأصول الفرنسية للملحن في انتاجه هذه التحفة الفنية 

استمرت الرحلة الإسبانية مع دعوة إسحاق ألبينيز الرمزية إلى "لا كاليتا "في جنوب الأندلس ثم "مالاجويناس" و" ريكويردوس دي فياجي" إلى أن يهبط بالجمهور المسافر معه إلى إشبيلية بمعزوفة Sevillanas  

ولم تكن هذه السهرة الاسبانية، كلاسيكية خالصة بل أثرى فيها لحن موسيقى الجاز بعض السمفونيات المعزوفة للجمهور، تلك الموسيقى التي تكشف مدى تأثير إسبانيا على عالم الفن الأمريكي وقام عازف الساكسفون بأداء مقطوعة موسيقية تجمع بين الجاز والابداع الاسباني ، وهو ما فاجأ جمهور مهرجان الجم الذي اعتاد الأعمال الكلاسيكية الخالصة، دون اضافات صاخبة عصرية.

وفي ختام هذه السهرة الاسبانية خصص العرض لتقديم 3 من أهم أعمال سيّد الموسيقى الكلاسيكية الاسبانية إيمانويل دي فالا الذي أدرك جيدا كيف يثور بالموسيقى في بلاده عن كل ما هو مألوف وسائد ليمزج بين الشعبي والكلاسيكي ويجود على العالم بأجمل المعزوفات على مر التاريخ.

وهكذا انتهت رحلة جمهور مهرجان الجم إلى إسبانيا ، رحلة حركت فيه مشاعر الحب والاعجاب، واختار أن يعلن له عن نهايتها   "كونسرتو مالقا " بعزف سمفونية ممزوجة بالتاريخ العربي-الأندلسي، تبعث في الحضور "ذكريات من الحمراء" للموسيقي العالمي فرانسيسكو تيراجا.

وليست هذه الرحلة في عوالم الموسيقى الاسبانية الأخيرة في الدورة 34 لمهرجان الجم، بل ستكون  إسبانيا أقرب من عشاقها التونسيين من أي وقت مضى في سهرة يوم الأربعاء 24 جويلة  مع أوركسترا الحجرة في جزيرة مينوركا ".