آراء

''طوفان الأقصى''... والسعي لتصفية القضية الفلسطينية

 ما من شكّ في أنّ التطورات الدراماتيكية التي تشهدها فلسطين المحتلّة هي لحظة فارقة بين ما تعلّمناه من قواعد مشتركة وقيم ومُثُلٍ ديمقراطية تعلّقنا بها على مدى السنوات وأحببنا العيش في ضوئها ، وما نشهده هذه الأيّام من جرائم وانتهاكات لا مثيل لها في التاريخ ، وهي جرائم وانتهاكات تلقى التأييد والتبرير في هذا " الغرب الديموقراطي " الذي أصابه الحَوَلُ والعمى أحيانا ، وأضحى لا يرى شيئا آخر غير ما يريد أن يراه ولا يستمع سوى لذاته وهو شديد الاقتناع بأنّ شعوبنا ومجتمعاتنا لا تستحقّ منهم الحياة وهي ليست أهلا للتمتّع بما قد تدرّه علينا الديموقراطية من حقّ في الوجود وحقّ في التنوّع وحقّ في الاختلاف وحقّ في التمتّع بالعيش الآمن في مجتمع حرّ ومستقرّ وفي دول متحرّرة أو هي توّاقة إلى الحريّة .

 وكان من السهل علينا أن نتبنّى خطاب نفي الآخر ونطالب بإلقاء كيان الاحتلال الاسرائيلي الغاشم في البحر ، ولكنّ تشبّعنا بالقيم والمُثُلِ الديمقراطية وحرصنا على تطبيق المشترك من القواعد أي القانون الدولي منعنا من ذلك .
 وإذْ قرّرنا نحن البقاء في خيمة القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية -على جورها - خرج "الغرب الليبرالي الديمقراطي" من عباءة هذا القانون الدولي وقرّر بجرّة قلم نسف قضية شعب يُفترض أنّه مسنود بترسانة من قرارات الشرعية الدولية بدأت بقرار التقسيم سنة 1947 ومرورا بالقرار رقم 194 بخصوص عودة اللاجئين والقرار رقم 242 لسنة 1967 الذي يؤكّد على حلّ الدولتين ، وعديد القرارات حول رفض الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وضمّها ، والقرارات المتعلّقة بوضع القدس المحتلة منذ 1967 وحتى 2004 , 
 ومنذ سنة 1947 وإلى يومنا هذا أصدرت الأمم المتحدة 131 قرارا لم ينفّذ منها الاحتلال الصهيوني أيّ قرار ، ورغم الكلفة السياسية الباهضة كانت رغبة الفلسطينيين في السلام واضحة ولا لُبْسَ فيها خصوصا بعد الانتفاضة الأولى ، فكانت إتّفاقيات كام دافيد وأوسلو  وواي ريفر وهي اتفاقات بقيت في أغلبها حبرا على ورق ، 
 ولعب كيان الاحتلال في المقابل على تعميق التناقضات بين الفصائل الفلسطينية من خلال تشجيع انفصال غزّة عن السلطة الوطنية الفلسطينية وتشجيع الانتشار السرطاني للمستوطنات في الضفة الغربية ، ولم يكن كيان الاحتلال يقدّر نتائج سياساته الاستراتيجية التي كانت تركّز فقط على إضعاف السلطة الفلسطينية رغم كونها الجهة الوحيدة القابلة بالتفاوض كسبيل لحلّ الدولتين ، لأنّ الاحتلال الصهيوني  كان رافضا أصلا لهذا الحلّ ، وهو رفض تداول عليه اليمين واليسار في الكيان الاسرائيلي وازدادت وتيرته وحدّته مع بنيامين ناتنياهو ، الذي جعل من الاستيطان ورقته الرابحة لفرض أمر واقع جديد وتجزئة الأراضي الفلسطينية وتفكيك أوصال الوحدة الترابية للدولة الفلسطينية المستقبلية بشكل يُضعف احتمال قيامها وفق ما تنصّ عليه قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة .
 
 
وفي ضوء الوضع الراهن بعد عملية "طوفان الأقصى " التي كانت مذلّة لجيش الاحتلال وما أحدثته من ردّة فعل وحشية وهستيرية طالت غزّة وكامل الأراضي المحتلّة ، بدا أنّ التحالف الدولي الغربي الحالي ارجع -أو هو يسعى إلى ذلك -القضية الفلسطينية الى وضعية 1948 ،ولم تعد في تقديرهم قضية احتلال بل أصبحت قضية أمنية لإسرائيل وبالتالي ، هم يحاولون فرض أمر واقع جديد يُنهي موضوع الدولتين ، وحصر انتظارات الفلسطينيين في أقلّ من حكم ذاتي في رام الله وأجزاء مفككة من الضفة الغربية ، وهذا أخطر ما يهدّد القضية الفلسطينية على الإطلاق .
"فمنذ انطلاق أحداث الأسبوع الماضي لم نعد تسمع أبدا موضوع الاحتلال بل تحوّل الموضوع الى الإرهاب ، وكأنّ الأمر داخل نفس الدولة ، وهذا الأمر بعيدا عن أن يكون مجرّد صدفة " هذا ما أسرّ به إلينا المناضل الحقوقي ورجل السياسة البارز سمير العبيدي ، مضيفا " أنّ اليمين الإسرائيلي والغربي في عمقه من اعلام وسياسة واحزاب يعتبرون أنّ الحقوق  الفلسطينية لا ينبغي لها أن تخرج عن إطار أمن إسرائيل الذي لا يقبل بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على أراضيها " 
 إنّ عملية الأقصى قد تكون على المستوى الاستراتيجي مهمّة للقضية الفلسطينية لجهة أنّها أظهرت من حيث المبدأ أنّ إرادة الشعوب لا تُقهر وفنّدت أوّلا ومرّة أخرى "حقيقة" أنّ جيش الاحتلال لايُقهر وعرّت ثانيا عقدة الخوف الكامنة في دواخل الاحتلال الصهيوني ، ولكنّ الواضح أنّ هذه العملية تستغلّ الآن من طرف الكيان الاسرائيلي وحلفائه لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا .
إنّ مهمة التصدي، لهذه المؤامرة تقع بالأساس على عاتق الفلسطينيين، ولكن واجب مدّ يد العون لهم وبكلّ ما هو متاح من امكانيات يقع كذلك على عاتق من اعتبر أنّ القضية المركزية هي قضية فلسطين ، ونحن نرى في الأفق إمكانية متاحة لتحقيق حلم الفلسطينيين في اقامة دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف .

الهاشمي نويره