آراء

إسرائيل ''دولة'' خارج كل السياقات

 بلغ العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني الشهرين أو يكاد، ووصلت حصيلة العدوان إلى أرقام غير مسبوقة، ما حرّك الضمائر الحرة في مختلف بقاع العالم، ولا يبدو أنّ ''دولة إسرائيل'' عابئة بردّة فعل أحرار العالم الذين هبّوا مطالبين بوقف العدوان وفتح باب الأمل السياسي أمام الفلسطينيين حتى ينعموا بالعيش الآمن في دولة قابلة للحياة والاستمرار على أرض فلسطين وفق قرارات الشرعية الدولية رغم جورها.

وبدا أنّ عين إسرائيل مركّزة فقط على الموقف الأمريكي، الذي من الواضح، أنّه مساند بالكامل لسياسة إسرائيل في غزّة والضفة الغربية، رغم ما يرشح عنه من حين لآخر من بعض الانتقادات ''الخجولة''، والتي هي من باب رفع الحرج ''الإنساني'' أو لإكراهات الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الذي يضع الرئيس جو بايدن في وضع غير مريح داخل حزبه ولدى عموم الشعب الأمريكي.
أمريكا لا تعترض على التدمير الممنهج للبنى الأساسية في غزّة، وللمرافق الاستشفائية وللأحياء السكنية، ولا يهمّها قطع الماء والكهرباء والغذاء والمواد الإغاثية عن غزّة، وقد لا يعنيها ترهيب الفلسطينيين في الضفة الغربية عن طريق جماعات الاستيطان التي لا ضوابط سياسية ولا أخلاقية لها، فقط هي تطالب إسرائيل ''بممارسة حقّها في الدفاع عن نفسها مع إمكانية تحييد المدنيين والمحافظة عليهم ما أمكن'' في قطاع غزّة.
وباستثناء أنّ ما يحدث في الضفة الغربية وقطاع غزّة من دمار وتخريب ممنهج وتقتيل وسعي محموم إلى التهجير القسري، قد يساهم على المديين المتوسط والبعيد في بناء أجيال صمود قادرة على استرجاع الحقّ الفلسطيني المسلوب شريطة تجذّرها في الأجندة الوطنية، فإنّ إسرائيل حاولت استغلال عملية «طوفان الأقصى» إلى حدودها القصوى.
وكانت الرغبة بادية ومعلنة أنّ إسرائيل رأت في ''الإهانة'' التي أُلحقت بها يوم 7 أكتوبر الماضي، ذريعة للتصفية النهائية للقضية الفلسطينية، بدءاً من محاولة فصل مسار ومصير غزّة عن الضفة الغربية كمرحلة أولى، ثمّ إتمام العمل التخريبي الذي يقوم به المستوطنون في الضفة دون انقطاع والإجهاز النهائي على حلم الفلسطينيين في بناء دولتهم.
وما قد يعطّل خطط إسرائيل أنّ السياق الدولي الحالي هو غيره الذي مكّن الحركة الصهيونية الدولية بعد الحرب العالمية الثانية من استغلال ''الهولوكوست''، وفرض قرار التقسيم الذي مكّنها من ''الوجود القانوني'' من وجهة نظر موازين قوى فرضت شرعية دولية على المقاس.
ومعلوم أنّ الحركة الصهيونية استغلّت دوماً المفاصل الهامة في التاريخ الحديث من أجل تركيز وجودها على الأرض، وساعدها في ذلك السياق التاريخي والمناخ الدولي''التوافقي'' بعد الحرب الثانية، والذي إمتدّ لبعض السنوات بعد الحرب، ما مكّنها بعد مرحلة ''وعد بلفور'' من تنفيذ الجزء الثاني من زرع الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين.
وقد رأت ''دولة إسرائيل'' في ما جرى يوم 7 أكتوبر الماضي فرصة أخرى للاستحواذ على ما تبقّى من أرض وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً، غير أنّ السياق الدولي اختلف هذه المرّة، خصوصاً مع تعاظم المؤشرات على الدخول في مرحلة تعدّد الأقطاب، وهو سياق غابت عنه القوّة المهيمنة التي بإمكانها فرض إرادتها على الجميع وفي أفق هذا السياق تحالفات جديدة على أسس جديدة، وهو الأمر الذي يبدو أنّه غاب عن ''دولة إسرائيل''.
وإلى جانب هذا السياق الدولي المختلف، قد يكون غاب عن ''دولة إسرائيل'' أيضاً وجود سياق إقليمي تريد دوله التخلّص من المعوقات التاريخية من صراعات وخلافات وانفتاح على شكل من الديمقراطية لا يغيّب خصوصياتها، وهي معوقات حالت دون بناء شراكات تحقّق تنمية مستدامة ومؤسّسة على موقف سيادي وطني.
وإضافة للسّياقات الإقليمية والدولية التي لا يبدو أنّها تخدم سياسات إسرائيل الاستيطانية، فإنّ تناقضات الداخل الإسرائيلي والأمريكي والأوروبي وتنامي المدّ اليميني والقومي الشعبوي لا يصبّ هو الآخر في خانة أهداف إسرائيل المعلنة والخفية، وهو ما يضع إسرائيل خارج كلّ السياقات.
 
الهاشمي نويرة