وطنية

التغيرات المناخية ...النساء يدفعن الثمن الأكبر

 علاقة الإنسان بالبيئة هي علاقة إعتمادية سواء من الإنسان على البيئة أو العكس ، لكن خلال العقود الأخيرة بدأت الآثار الكارثية التي خلفها النشاط البشري على مدى أكثر من قرنين منذ إنطلاق الثورة الصناعية ، تظهر على شكل الإحتباس الحراري و التغيرات المناخية التي شهدنا ذورتها خلال الأعوام الأخيرة من فيضانات و زلازل و حرائق للغابات. 

كل هذه التغيرات المناخية أثرت بشكل كبير على حياة البشر بشكل عام و على حياة النساء بشكل خاص ، حيث أكدت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة ان المرأة أكثر تأثرا من الرجل بمخاطر التغير المناخي و الإحتباس الحراري.
و تؤكد عدة دراسات صادرة عن الهيئات الأممية و المنظمات المعنية بوضعية المرأة ان النساء أشد تأثرا بمخاطر التغير المناخي بسبب دور المرأة في المجتمع و الأسرة و إيلائها إهتماما بالغا لنظافتها الشخصية مقارنة بالرجل لذلك تحتاج الى إستهلاك المزيد من المياه و التي قد تتسبب نقصها في إصابتها بأمراض عدة ، خاصة أثناء الحيض و الولادة .كما تشير الدراسات إلى أن معدل وفاة النساء أكثر من الرجال بـ14 مرة في كوارث عدة مثل الحرائق و العواصف و الأعاصير و الفيضانات حيث يبرز عجزهن عن النجاة ، و تنضاف الصحة الإنجابية الى القائمة إذ يسبب تغير المناخ ارتفاع نسبة الولادات المبكرة و يساهم في ولادة أجنة صغار الحجم و يهدد نمور و تطور دماغ الجنين و الموت المفاجيء للجنين.
المرأة في شمال افريقيا ليست بمنأى عن المعاناة بسبب الكوارث المناخية التي تتعرض لها المنطقة من فيضانات (ليبيا و الجزائر) و جفاف و حرائق (تونس) ّ، زلازل و حرائق (المغرب)، سواء من الناحية الاقتصادية أو الصحية و الإجتماعية.
تأثر المرأة بعواقب التغيرات المناخية : الأسباب 
و تقول الخبيرة في التغيرات المناخية ، آمال جراد لأرابسك " أن النساء أكثر تأثراً بكثير ويعانين بشكل غير متناسب من آثار تغير المناخ والاضطرابات البيئية ، مشيرة الى ان الكوارث الطبيعية أودت بحياة عدد كبير من البشر مقارنة بالحوادث الأخرى التي تكون غير صادرة عن الطبيعة".
و تؤكد جراد ان عاصفة "دانيال" التي جدت في مدينة درنا في ليبيا خلال سبتمبر 2023 أودت بحياة أكثر من 5000 شخص و تسببت في نزوح عشرات الآلاف و خلفت الآلاف من المتضررين من العاصفة" ، حيث أن غالبية الضحايا هم من النساء والأطفال الذين يفتقرون إلى التدريب على إجراءات إنقاذ الحياة والوصول إلى الموارد والمعلومات مقارنة بالرجال.
و تضيف قائلة "في تونس إذا كان تغير المناخ يهدد النساء والرجال على حد سواء، فإن النساء أكثر عرضة لتهديدات معينة مثل ارتفاع درجات الحرارة وموجات الحر الطويلة، خاصة في سن متقدمة.
وتتأثر النساء اللاتي يعملن في قطاع الموارد الطبيعية، مثل الزراعة، بالجفاف وندرة الموارد المائية. يؤدي استنفاذ هذه الموارد إلى تقليل الدخل الزراعي للمزارعات الريفيات، ويزيد من معاناتهن وأعبائهن المنزلية (حيث يكتفين بمياه أقل فأقل ويبتعدن أكثر فأكثر). وفي هذه الظروف المناخية القاسية (فترات الجفاف والفيضانات الطويلة)، يملْنَ إلى العمل أكثر لضمان وسائل معيشتهم وضمان أمن الأسرة. وعلى هذا النحو، ليس من غير المألوف أن تكون النساء في أسفل التسلسل الهرمي الغذائي للسماح لبقية أفراد الأسرة بتناول ما يكفي من الطعام، مما يجعلهن معرضات بشكل خاص للجوع و سوء التغذية".
و تشدد الخبيرة البيئية على ان المرأة ليست مجرد ضحية لتغير المناخ ، بل يمكنها أن تمتلك المعرفة التقليدية وأن تعمل أيضًا بنشاط وفعالية وتعزز أساليب التكيف والتخفيف ، على غرار جمع المياه وتخزينها، والحفاظ على الغذاء وترشيده، وإدارة الموارد الطبيعية هي مجالات تتقنها المرأة تقليديا.
و في سياق متصل أكدت المتحدثة انه هناك المزيد و المزيد من النساء الناشطات في المنظمات التي تعمل على حماية البيئة و مكافحة تغير المناخ ، يلتزمن بإستعدادهن الى تغيير سلوكهن الإستهلاكي للتعامل مع الإضطرابات المناخية ، و تعرب الخبيرة البيئية عن أسفها في أن هؤلاء النساء الملتزمات بمكافحة تغير المناخ أقل حضورا في مواقع إتخاذ القرار المتعلقة بتغير المناخ.
و يرى المهندس البيئي و الخبير في الشأن المناخي حمدي حشاد ان درجات الحرارة المرتفعة و الرطوبة من أحد أسباب ظهور فيروس كورونا ، مشددا على أن التغيرات المناخية باتت عامل مهم في ظهور الأمراض الفيروسية و التنفسية ، و ساهمت في سرعة إنتشارها و إكتسابها مقاومة للمضادات الحيوية و المضادات الفيروسية.
يعتبر الخبير البيئي أنه بسبب الثقافة السائدة في بعض الأوساط المجتمعية التي لا تعطي المرأة الحق في الإرث و بالتالي لا تملك المرأة التمكين الإقتصادي الذي يمكنها من مواجهة آثار التغيرات المناخية ، مؤكدا على أن التغيرات المناخية ليس لديها تفرقة جندرية ، بل هي سياسات تؤدي الى اللامساواة بين المرأة و الرجل في هذه الناحية..
الحلول : 
و بالنسبة للحلول التي من الممكن أن تحد من تأثيرات الأزمة المناخية هي من خلال القانون و تطبيقه، يؤكد المهندس البيئي و الخبير في الشأن المناخي حمدي حشاد ، ان التشريعات في تونس موجودة لكن المشكل نقل هاته التشريعات من إطارها القانوني إلى إطارها التفعيلي إلى أرض الواقع ، نظريا هناك الحماية و الأطر و الإحاطة لكن هناك تقصير في الإمكانيات التقنية في تطبيق القانون .
و يشير محدثنا إلى ان الدولة يجب ان تولي أهمية لتطبيق القانون من أجل مساعدة المرأة من الفئات الهشة من التمكين الإقتصادي ، كذلك الإستثمار في التثقيف و التوعوية حول التغيرات المناخية من شأنه أن يقلل الخطر المحدق بالنساء فيما يتعلق بأزمة المناخ.
عواقب تغييرات المناخ على صحة المرأة :
أزمة المناخ ألقت بظلالها على صحة الجلد و بشرة الإنسان حيث سجل أطباء الجلد خلال السنوات الأخيرة زيادة في الأمراض الجلدية المتعلقة بعواقب تغير المناخ على غرار الصدفية و الإكزيما و الذئبة اللتان يمكن أن تسببا في حدوث طفح جلدي ، كما يحذر الأطباء من أن سرطان الجلد يتأثر بالتغيرات في المناخ ويمكن أن تزداد الإصابات به في المستقبل بسببه..
و تؤكد الدكتورة رباب بوزيان ، أخصائية تجميل لـ''أرابسك'' ان ارتفاع حرارة الأرض يؤثر سلبا على الحاجز الطبيعي للبشرة و هو يعتبر الواقي الأول لحماية البشرة من الأضرار.
و من تأثيرات التغيرات المناخية جفاف و تشقق البشرة ، الظهور المبكر لمعالم الشيخوخة و البثور و كذلك مرض الإكزيما.
تقول الدكتورة رباب بوزيان انه أمام ضعف الحاجز الطبيعي للبشرة تصبح أكثر عرضة لمخاطر الأشعة فوق البنفسجية مما يؤدي إلى نقص في مناعتها و يتسبب في ظهور معالم الشيخوخة بطريقة مبكرة تفوق 80 بالمائة.
و بالنسبة للحلول التي يستطيع الأشخاص و خاصة النساء إتخاذها يجب إتخاذ إحتياطات على غرار إستعمال الواقي الشمسي و ملابس تقينا من الحرارة و الترطيب مهم جدا.
نساء الجنوب : 
الدراسات تظهر أن نساء جنوب الكرة الأرضية هن الأكثر تأثرا بعواقب تغير المناخ ، بسبب ضعف مواردهن و فرصهن القليلة في النجاة في الكوارث الطبيعية، إضافة إلى الفجوة بين الجنسين و التوزيع الغير العادل للموارد و السلطة ، فضلا عن غياب إرادة سياسية في مواجهة هذا الخطر المحدق ليس بالمرأة فقط بل بالمجتمع على مستوى إقليمي و بالبشرية جمعاء على مستوى عالمي، سواء من خلال الجفاف الذي أثر على الأمن الغذائي في ظل أزمات عالمية متتالية .
 
أنجز هذا التحقيق بالشراكة مع صحفيون من أجل حقوق الإنسان