قدّم المخرج الشاب أوس إبراهيم مساء الثلاثاء على خشبة مسرح التياترو بالعاصمة العرض الأول لمسرحيته الجديدة "وراك"، في تجربة مسرحية تنبش في أعماق الوعي الإنساني، من خلال حبكة درامية تدور حول لعبة غامضة تحمل وعودًا بتغيير الماضي أو التأثير في المستقبل، لكنها تكشف تدريجيًا عن كونها مجرد اختبار نفسي حادّ.
المسرحية، التي كتب نصّها وأخرجها أوس إبراهيم، تستحضر أجواءً فلسفية وجودية، حيث يتقاطع فيها المصير بالاختيار، والرغبة بالخوف، والواقع بالوهم. شخصيات متشظّية، مسكونة بالتردّد والرغبة في الخلاص، تُلقى داخل "لعبة" لا تفهم قواعدها، لكنها تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة تحت تهديد "موت" يبدو وشيكًا.
العرض، الذي يمتد لحوالي ساعة، لا يكتفي بطرح تساؤلات عن الإرادة والقدر، بل يعيد تشكيل العلاقة بين المتفرّج والمسرح من خلال توتر دائم بين الواقعي والمتخيّل، لينتهي بانكشاف صادم: لا موت حقيقي، بل محاكاة ترصد سلوك الإنسان في مواجهة الحسم.
الممثلون: يحيى فايدي، منال بكوري، محمد بوزيد، بوبكر الغناي وفريال بن بوبكر، جسّدوا شخصياتٍ تتأرجح بين القبول والرفض، الخضوع والتمرّد، داخل فضاء بصري مشحون ومؤثرات صوتية مقلقة تدعم الجو العام للعرض.
اعتمد أوس إبراهيم على لغة إخراجية توظّف عناصر التغريب دون الوقوع في التكرار أو الاستنساخ، مستعينًا بإضاءة كثيفة الرموز وموسيقى إلكترونية غرائبية، وركّز على سينوغرافيا بسيطة لكنها مشبعة بالمعاني، أبرزها "آلة الرغبة" الوردية، التي شكّلت محور اللعبة المسرحية.
العنوان "وراك" يحمل بدوره دلالات متعددة: نظرة إلى الماضي، تحفيز للوعي بما تم تجاهله، وربما تساؤل خفي عن أثر ما تركناه خلفنا. هذه الطبقات التأويلية تنسحب على النصّ بأكمله، الذي يشكّل دعوة إلى التفكير في حريتنا وحدود اختيارنا، بل وحتى حقيقة قراراتنا حين نخضع للضغط.
"وراك" ليست مجرد مسرحية، بل تجربة وجودية صادمة، تقحم المتفرّج في لعبة تشبه الحياة، حيث لا أجوبة جاهزة، بل تساؤلات مفتوحة عن المصير، الحريّة، والذات: من نحن؟ وما الذي يحدد خياراتنا؟ وهل يمكن تغيير ما كان… أو ما سيكون؟