اقتصاد

طبرقة : أزمة نظافة تُفسد وجه تونس السياحي

 في تعليق لافت خلال تغطيته لتربص نادي الأهلي المصري بمدينة طبرقة، يوم أمس، وصف المعلّق الرياضي المصري عصام عبده المدينة بأنها "جوهرة خضراء"، مشيدًا بأجوائها وطقسها وموقعها الطبيعي الساحر، قبل أن يُتبِع إشادته بنداء صريح موجّه للسلطات التونسية: "أتمنى من الدولة أن تهتم أكثر بهذه الجوهرة، وخاصة من ناحية النظافة، فوسط المدينة لا يعطي فكرة جميلة عنها".

كلمات تختصر معاناة الكثير من المدن التونسية التي، رغم ما تتمتع به من مخزون طبيعي وثقافي، تعاني من إشكاليات متراكمة في النظافة، تسيء لصورتها أمام الزوار المحليين والسياح الأجانب.
الوجه الآخر للجمال
طبرقة ليست استثناء، من العاصمة تونس إلى سوسة وصفاقس وبنزرت، يشهد المتجوّل بين الأحياء والأسواق والموانئ مستويات متفاوتة من التلوث البصري وتراكم النفايات. ورغم بعض المبادرات المحلية وجمعيات المجتمع المدني، فإنّ غياب رؤية وطنية شاملة ومستدامة يجعل جهود التحسين ظرفية وموسمية. حيث تشير آخر التقديرات الصادرة عن وزارة البيئة التونسية لسنة 2024 إلى أنّ البلديات التونسية تنتج يوميًا قرابة 2.9 مليون طن من النفايات المنزلية سنويًا، لا يتم رفع سوى 75% منها في الوقت المحدد، بينما تبقى 25% عالقة في الأحياء أو تُرمى عشوائيًا في الطبيعة أو السواحل.
 في تقرير أصدره المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية أواخر 2024، صُنّفت النظافة العامة كأحد أهم ثلاث مشاكل تعاني منها البلديات، إلى جانب نقص التمويل وضعف الحوكمة.
 أما على مستوى السياحة، فقد أظهر استطلاع رأي أجرته "كونكت توريسم" (Connect Tourisme) في بداية 2025 أنّ 67% من السياح الوافدين على تونس لاحظوا ضعفًا في مستوى النظافة العامة، خاصة في محيط الأسواق والمواقع السياحية.
تأثير مباشر على السياحة
في بلد تعتبر السياحة أحد أعمدته الاقتصادية، تُعدّ النظافة عاملًا حاسمًا في تعزيز جاذبية الوجهات. فالسائح، مهما انبهر بالمناظر الطبيعية والمواقع الأثرية، لن ينسى مشاهد القمامة في الشوارع أو الروائح الكريهة المنبعثة من بعض الأسواق.
وقد أثار تعليق عصام عبده تفاعلًا كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر العديد من التونسيين عن أسفهم لأنّ مدنهم لا تُعطى ما تستحقّه من عناية بيئية، رغم الإمكانيات السياحية الضخمة.
المطلوب: إرادة سياسية ومواطنة بيئية
النهوض بالنظافة لا يقتصر على البلديات فقط، بل يتطلب شراكة حقيقية بين الدولة والمواطن. فالتوعية البيئية، وتوفير البنية التحتية اللازمة (من حاويات كافية، ونقاط فرز، وجداول رفع منتظمة)، إضافة إلى تفعيل القوانين الرادعة للمخالفين، كلها عناصر ضرورية لصناعة التغيير.
طبرقة، كما قال عصام عبده، مدينة تستحق أن تكون نموذجًا. لكن هذا النموذج لن يتحقّق إلا حين تصبح النظافة أولوية وطنية، لا مجرد حملة ظرفية.