أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بقفصة بفتح بحث تحقيقي من قبل فرقة الشرطة العدلية بمنطقة الأمن الوطني، ضد كل من سيكشف عنه البحث، من أجل شبهة التقصير أو الإهمال، وذلك على خلفية وفاة الشابة علياء بحيري داخل قسم الاستعجالي بالمستشفى الجهوي الحسين بوزيان بقفصة، في ظروف وُصفت بالغموض.
وتعود أطوار الحادثة إلى فجر يوم الثلاثاء 22 جويلية 2025، حيث فارقت الشابة الحياة بعد تدهور حالتها الصحية. ووفق إفادة والدها لوسائل الإعلام، فإن الطاقم الطبي رفض إجراء الفحوصات اللازمة لابنته بسبب عدم امتلاكها بطاقة علاج، مشيرًا إلى أنه يتقاضى جراية شهرية لا تتجاوز 180 دينارًا، ولم يكن قادرًا على توفير مبلغ 67 دينارًا ثمن التحاليل الأولية الضرورية.
وفي ذات السياق، أصدر فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بقفصة بيانًا يوم الأربعاء 24 جويلية، عبّر فيه عن استنكاره لما اعتبره "تقصيرًا خطيرًا وتأخيرًا في التدخل الطبي ناجمًا عن عراقيل إدارية وغياب التجهيزات الأساسية"، وفق نص البيان.
وأوضح فرع الرابطة أن التلميذة علياء، البالغة من العمر 21 سنة، كانت قد توجّهت يوم الأحد 20 جويلية برفقة والدها إلى قسم الاستعجالي بالمستشفى، غير أن حالتها لم تُعالج حينها بسبب غياب إدراج اسمها في بطاقة العلاج وعدم توفر ثمن التحاليل، ما اضطر العائلة إلى العودة للمنزل دون أن تتلقى الرعاية اللازمة.
وأضاف البيان أنه "رغم إعادة إدخالها للمستشفى يوم الإثنين 21 جويلية بعد تسوية الإجراءات، إلا أن حالتها تدهورت بشكل حاد، ما استوجب تدخلاً جراحيًا عاجلاً"، مؤكّدًا أنه تم وضعها في غرفة إنعاش غير مجهزة داخل قسم الاستعجالي، نتيجة غياب غرفة إنعاش في قسم الجراحة، وهو ما أدى في النهاية إلى وفاتها.
وأعرب الفرع عن رفضه المطلق لأي تضييق على الحق في الولوج إلى العلاج، محمّلاً الدولة مسؤولية احترام هذا الحق الدستوري، وعدم ربطه بإجراءات بيروقراطية أو موانع مالية، معتبرا أن الحادثة تمثل مؤشرًا خطيرًا على انهيار المنظومة الصحية بالجهة نتيجة فشل السياسات العمومية المعتمدة في هذا القطاع.
كما طالب البيان بفتح تحقيق جدي ومستقل، بعيدًا عن سياسة الإفلات من العقاب، ومحاسبة جميع المتورطين والمسؤولين عن تسيير المرفق الصحي.
ولم يفت فرع الرابطة أن يندد بتصنيف مستشفى الحسين بوزيان كمستشفى جامعي، رغم افتقاره إلى أبسط المعدات الطبية والبنية التحتية الملائمة، واعتبر ذلك شكلاً من أشكال التزييف الإعلامي و"ذر الرماد على العيون". كما ذكّر بالوعود الرسمية المتكررة حول إحداث مستشفى متعدد الاختصاصات بولاية قفصة، والتي بقيت، وفق نص البيان، "حبراً على ورق".
وختم الفرع بيانه بدعوة مكونات المجتمع المدني إلى توحيد الصفوف، وجعل الملف الصحي من أولويات التحركات والاحتجاجات القادمة، مؤكّدًا أن ما حصل لعلياء ليس حادثًا معزولًا، بل يعكس واقعًا متدهورًا للحق في العلاج بجهة قفصة، وفق تعبيره.
و أثارت هذه الحادثة جدلًا واسعًا بشأن الحق في الصحة وواقع المنظومة الصحية العمومية في تونس، خاصة ما يتعلق بحق المرضى المعوزين في تلقي العلاج دون تمييز.