في واحدة من أكثر سهرات مهرجان الحمامات الدولي حيوية وتفاعلاً، صعد نجم الراب والبوب التونسي بلطي، مساء أمس الإثنين 4 أوت 2025، على ركح المسرح العريق ليقدّم عرضًا موسيقيًا حمل في طيّاته قصصًا من تفاصيل الحياة اليومية، مستلهمًا من نبض الشارع وواقع الشباب ليحوّل كل أغنية إلى مشهد حيّ يُحاكي مشاعر جمهور واسع تفاعل معه وردّد كل كلمة.
بلطي، واسمه الحقيقي محمد صالح بلطي، لم يعد مجرد فنان محلي، بل أصبح علامة فارقة في الموسيقى العربية والإفريقية، بعد أن حققت أغنيته الشهيرة "يا ليلي" أرقامًا قياسية جعلته يتربع على عرش المشاهدات في القارة الإفريقية والعالم العربي. وقد مثّل حضوره في مهرجان الحمامات الدولي لحظة فنية فارقة، خاصة مع الإقبال الجماهيري اللافت الذي ملأ المدارج وأكّد مرة أخرى أن بلطي نجح في كسر الحواجز بين موسيقى الراب والجمهور العريض، بفضل صدق الكلمة وبساطة الأسلوب.
افتُتحت السهرة بأغنية "حلمة"، التي بدت وكأنها بيان نوايا يُعلن من خلاله الفنان تمسّكه بقيم الطموح والتحدي، تلتها مجموعة من الأغاني الناجحة على غرار "ولا لالا"، "دوزة دوزة" و"أنا"، والتي رسخت حضور بلطي كصوت تعبيري عن جيل يبحث عن ذاته في ظل واقع مضطرب. وقد بلغ التفاعل ذروته مع أداء أغنية "كلندستينو"، التي مزج فيها الفنان الإيقاع العصري بنص اجتماعي صريح، عكس ببراعة واقعًا يعيشه كثيرون.
وتواصل العرض في جزئه الأول بأداء أغنية "ديما ماشي"، ذات الإيقاع المتسارع الذي عكس عنادًا فنّيًا وشخصيًا ضد التحديات، وصولًا إلى الأغنية الأشهر "يا ليلي" التي كانت بمثابة لحظة إجماع جماهيري، غناها الحاضرون من مختلف الأعمار والجهات، مؤكدين بذلك أن هذا العمل لم يكن مجرد ضربة نجاح عابرة، بل لحظة فنية خالدة تجاوزت حدود اللغة والبلد.
أما الجزء الثاني من السهرة، فقد حمل طابعًا أكثر حميمية، استُهلّ بأغنية "يا حسرة"، التي أعادت الجمهور إلى أجواء الذكريات والنوستالجيا، ثم تنقل بلطي بين مواضيع الغربة والخذلان والعلاقات العاطفية من خلال أعمال مثل "غريبة عليّ"، "ألو ألو" و"نسخة ألو"، التي مزج فيها التجريب الموسيقي بالإحساس الشعبي، مما أضفى تنوعًا موسيقيًا عزّز ثراء العرض.
ولم تخلُ السهرة من تقديم جديد الإنتاجات الفنية، حيث غنى "صاحبك رجل"، أغنية تُسلّط الضوء على معنى الصداقة والوفاء، إلى جانب "ماما"، التي بدت رسالة شخصية ومؤثرة، قبل أن يختتم عرضه بأغنية "جاي مالريف" التي تُختزل فيها شخصية بلطي الفنية: بسيطة في شكلها، عميقة في رسائلها، صادقة في أدائها.
وقبل أن يغادر الركح، عبّر بلطي عن اعتزازه بالمشاركة مجددًا في مهرجان الحمامات الدولي، قائلاً: "مهرجان الحمامات تظاهرة عريقة، وأنا فخور بالصعود على هذا الركح مرة أخرى. آمل أن يكون الجمهور قد استمتع بالعرض وخرج سعيدًا"، وهي كلمات ختم بها سهرة أثبتت مرة أخرى أن بلطي لم يعد مجرّد مغنٍ، بل أصبح صوتًا معبّرًا عن هموم وأحلام جيل كامل.