من 6 إلى 11 أكتوبر 2025، تتواصل ورشات الجنوب-جنوب في المغرب في دورتها الثانية، بمشاركة مجموعة من المبدعين الشباب من أصحاب المشاريع الثقافية القادمين من تونس والمغرب والسنغال.
في قلب هذا البرنامج تنبض طاقة فريدة — طاقة الإبداع المتحرّك، وتبادل المعارف، والإيمان بأن الأفكار، عندما تُرافق بالاهتمام والتوجيه الصحيح، يمكن أن تتحوّل إلى محركات حقيقية للتغيير الثقافي.
تجمع هذه النسخة بين مبدعين يحملون مشاريع متنوعة وطموحة، يجمعهم هدف واحد: إعادة التفكير في سرديات الجنوب، وتثمين التراث المحلي، واستكشاف أشكال جديدة من التعبير الفني عبر الوسائط الرقمية، والإعلام البديل، والتجارب الغامرة.
من الفكرة إلى النموذج الأوّلي: مسار موجّه وملهم
لا تقتصر ورشات الجنوب-الجنوب على التكوين فقط، بل هي إقامة للتفكير والإنتاج، فضاء تُبنى فيه المشاريع وتُعاد صياغتها وتُبتكر من جديد.
تحت إشراف فريق من الموجّهين من جامعيّين ومهنيّين وفاعلين ثقافيّين، يحظى المشاركون بمرافقة شاملة تجمع بين الشقّين الفني والاستراتيجي والتقني. تُصاغ كل جلسة إرشاد كحوار مفتوح ولقاء بين الحدس الإبداعي لحامل المشروع والخبرة العملية للمهنيّ. انطلاقا من هذه المقاربة الداعمة، تتبلور المفاهيم، وتُشحذ الرؤى، وتستعيد الأفكار الأولى تماسكها واتجاهها.
من خلال هذا المسار التدريجي، يطوّر المشاركون نماذج أولية عملية أو سردية، إلى جانب منهجية عمل مستدامة تُمكّنهم من مواصلة مسارهم بعد الإقامة.
مشاريع تعبّر عن حيوية الجنوب الإبداعي
تعكس المشاريع المنبثقة عن هذه الدورة تنوع المقاربات وغنى المخيلة في الجنوب العالمي. فبعضها يستكشف العلاقة بين الفنّ والتكنولوجيا، فيما يعيد البعض الآخر قراءة الذاكرة الجماعية، في حين يسعى آخرون إلى ابتكار أشكال جديدة من الوساطة الثقافية في العصر الرقمي. تُجسّد هذه الإبداعات حساسية مشتركة: الرغبة في سرد العالم من منظور الجنوب، بلغاته وإيقاعاته ورؤاه المستقبلية.
الإرشاد نحو المستقبل
أحد أعمدة ورشات الجنوب-جنوب يتمثّل في جودة الإرشاد. فالموجّهون، الذين تم اختيارهم بعناية لتنوّع خبراتهم، يرافقون كل مشارك في بلورة الفكرة، وبناء السرد، وتطوير الشكل البصري، وضمان الجوانب التقنية لمشروعه.
هذا النهج، الإنساني والدقيق في آن، يمكّن المشاركين من تجاوز الأطر التقليدية، ومساءلة نواياهم الفنية، والعثور على الصيغة الأكثر صدقا لأفكارهم. كل حوار يصبح فعلا من أفعال التبادل المعرفي، وكل جلسة فرصة لتنقية الصوت الإبداعي وتوضيحه.
دينامية إقليمية في توسّع
بعيدا عن الإنتاجات نفسها، تؤكد ورشات الجنوب-جنوب على أهمية التعاون الثقافي الإقليمي. فهي تنسج روابط بين المبدعين من مختلف الآفاق، وتسهم في تبادل الخبرات والرؤى والمنهجيات الفنية.
وتشكّل الإقامة الثانية والخاصة بتطوير النماذج الأولية في الرباط مرحلة أساسية، حيث تأخذ المشاريع شكلا ملموسا، وتُختبر من الناحية التقنية، وتنفتح على النقد البنّاء. في هذا الفضاء الجماعي، تتماسك الأفكار، وتكتسب بعدا مهنيا، وتتهيأ إلى اللقاء مع الجمهور.
إنّ ورشات الجنوب-الجنوب ليست مجرد برنامج، بل هي منظومة حية للإبداع والتبادل والتحرّر.
من خلالها، يساهم جيل جديد من الفنانين والمطوّرين والرواة والمفكّرين في صياغة مستقبل الثقافة في القارة-مستقبل تتفاعل فيه التكنولوجيا والذاكرة والإبداع على قدم المساواة.