آراء

التونسيون والانتخابات: حيرة وتلويح بالمقاطعة

يوجد شبه إجماع لدي التونسيين، على أن الاستحقاق الانتخابي المقرر في 26 أكتوبر القادم هام، وأنه سيحدد مستقبل البلاد خلال السنوات القادمة. برغم بروز حالة لا مبالاة شعبية واسعة، أكدتها الأيام الأولى من انطلاقة الحملة الانتخابية. التي سبقت بحملة ازدراء وسخرية على المرشحين للرئاسيات، بسبب كثرة العدد وأيضا نوعية أو مواصفات المترشحين. و هي ظاهرة يتوقع أن يكون لها مفعول وتأثير سلبي على المشاركة في الاقتراع، سواء في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية.

كما أن كل تجارب الانتخابات التي أجريت بعد "الربيع العربي"، لم تؤسس للاستقرار واستعادة قوة القانون وهيبة الدولة. بل على خلاف ذلك فإنها زادت في تعميق –إن لم نقل تأبيد – الأزمة. وهنا الأمثلة كثيرة. ففي مصر لا الانتخابات الأولى التي جاءت بالإخوان إلى سدة الحكم، ولا الانتخابات الثانية التي أعادت العسكر للحكم من جديد. استطاعتا إخراج مصر من أزمتها السياسية والاجتماعية، في المقابل نري أنها زادت في تعميق حالة الانقسام، وفتحت المجال لتنامي ظاهرة العنف السياسي الذي ينذر بالتحول إلى إرهاب "جهادي".

نفس الشيء حصل في ليبيا، بعد انقلاب "كتائب الاخوان" على النتائج. ولعل نقطة الضوء الوحيدة ما زالت في تونس. نظرا لوجود "مقاومة" قوية لإرادة حكم الترويكا بزعامة النهضة في تمطيط الفترة الانتقالية، ثم المرور لانتخابات تبقيهم في السلطة.

وأنت تتجول في الشارع التونسي، تلاحظ بالعين المجردة أن غالبية "الشعب الكريم" متردد ومحتار لمن سيصوت. وبحسب أخر استطلاعات الرأي، فان حوالي من 50 بالمائة لم يحسموا أمرهم، أي أنهم لم يختاروا الحزب الذي سوف ينتخبونه، ويمنحونه صوتهم.

خلال دردشة مع مجموعة من الطلبة، لاحظت وجود حالة لا مبالاة كبيرة، من قبلهم تجاه الحياة السياسية عموما، والانتخابات خاصة. حيث أكد لي جل من استجوبتهم حول الحزب الذي سوف يمنحوه ثقتهم، أنهم لم يقرروا بعد، بل على الأرجح لن يصوتون. كما تبين لي أيضا، تعبير يصل درجة السخط و الغضب من الطبقة السياسية. اذ يعتبرون "أن الأحزاب عندنا، وبدون استثناء تتصارع على السلطة، وليس لها برامج لخدمة البلاد".فبالنسبة لهم، الأحزاب لا تعبر عن مشاكل الناس، فهي أصلا لا تعرفها، والتونسي مل من ضجيجهم وصياحهم في البرامج التلفزية، كما أنها تخضع لسيطرة الشيوخ، ولا نكاد نجد فيها حضورا يذكر للعنصر الشبابي. اضافة الى تشكيهم من وجود ضبابية وغموض كبيرين، فالكثير من التونسيين لا يعرف قبل ثلاثة أسابيع من التصويت، لمن سيصوت برغم أننا نتابع منذ أشهر هذا "السيرك" السياسي".

كما هناك تشكي من غياب البرامج لدي جل الأحزاب، وأنها في المقابل تحرص على رفع شعارات، زيادة على كثرة عددها، من ذلك ان بعض الدوائر الانتخابية تتجاوز فيها القائمات المتنافسة، الخمسين قائمة وهو ما أدخل التشويش والتشتت.

وجود حالة كبيرة من التردد تجاه الانتخابات القادمة، وضع من شأنه أن ينجم عنه حصول نسبة مقاطعة مرتفعة. وهو يكشف عن ان الطبقة السياسية في تونس، عجزت عن أن تكون قريبة من هموم الشارع، وأكدت أنها في قطيعة معه. ويعبر عن وجود غموض كبير في برامج وخيارات الأحزاب السياسية المتنافسة، التي عجزت عن القرب من الناس وبالتالي عجزت عن تأطيرهم واقناعهم ببرامجها وتصوراتها. وفي الواقع، نرى أن الأحزاب التونسية تفتقد للبرامج الواقعية التي من شأنها أن تقنع بها الناخب، بل أنها لا تمتلك برامج حقيقية، لأنها لا تمتلك المؤشرات الحقيقية للواقع، ما يجعل من ما يقدم على أنه برامج لا يعدوا أن يكون مجرد وعود وشعارات للاستهلاك السياسي لا غير، وهذا ما اكتشفه المواطن.

هناك العديد من المؤشرات، تشير الى أن الانتخابات القادمة، لن تكون مناسبة للخروج بالبلاد من الأزمة التي تمر بها، بل على الارجح أنها ستعمق الأزمة، ان لم تجعلها مفتوحة، وبالتالي فان حالة اللا استقرار سوف تتواصل خلال السنوات القادمة.

 

 

منذر بالضيافي