آراء

استثناء تونسي وسط الخراب

 يحق لكل التونسيات والتونسيين أن يفخروا ببلادهم. سطر التونسيون يوم 26 أكتوبر ملحمة ديمقراطية عنوانها الاستثناء التونسي. إنجاح التجربة الديمقراطية بحد ذاته وتنظيم انتخابات لم تتخللها خروقات كبيرة مثّل نجاحا يحسب لهذا البلد المتوسطي الصغير في حجمه ، الكبير بارادة شعبه.

عنوان الاستثناء الابرز هو انه - وخلافا لكل ما سمي بدول الربيع العربي ـ لم تسقط تونس في الخراب والفوضى والحروب الاهلية كما هو حاصل في كل من سوريا وليبيا واليمن ، فيما اختارت الثورة المصرية مسارا اخر غير نموذجنا.
من هذا الباب بالذات نقرأ مقولة الاستثناء التونسي ولن تكون نتيجة التصويت الا تأكيدا فرعيا للمقولة وليس أصلها.
الاستثناء التونسي يعبر عن تركيبة مجتمعية خاصة لا تتوفر في البلدان العربية الاخرى لأسباب تاريخية وثقافية يطول شرحها غير انها مبنية على نظام تربوي وقوانين للاسرة والحريات العامة والخاصة مازالت غائبة ومحتشمة في بقية البلدان العربية الاخرى. كان للزعيم الحبيب بورقيبة ، صانع دولة الاستقلال ، الفضل الكبير في بناء اللبنات الاولى لهذا الاستثناء.
الاستثناء التونسي مبني على حركة عمالية قوية ممثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل كانت طوال الثلاث سنوات الاخيرة حارسا لقيم البلاد ونمطها الاجتماعي من كل الانحرافات.
في تونس لنا قوى يسارية وقومية شرسة كانت عنوانا للمقاومة ضد قوى الردة الثقافية والسياسية وقدمت شهداء من حجم الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
في تونس لنا حركة نسوية يضرب بها المثل في العالم العربي في كيفية افتكاك الحريات وتحقيق المساواة بين النساء والرجال.
في تونس لنا نخبة جامعية مثقفة تمترست جلها في السنوات الاخيرة من أجل رد الهجمة السلفية على المجتمع والدولة.
في تونس أخيرا وليس اخر لنا حركة اسلامية اخوانية قبلت بالنموذج التونسي وتأقلمت مع مطالب التونسيين ونمط حياتهم وتقول انها استثناء اسلامي داخل الاستثناء التونسي.
صاحب هذه المقال من الاوائل الذين نادوا بـ"تونسة" حركة النهضة وقطع علاقاتها الاقليمية والدولية بالتنظيم الدولي . وبلا شك فان انجاح تونسة حركة النهضة يأتي من هذا الباب دون غيره.
في الاشهر الاخيرة ، قبيل الانتخابات ، شاهدنا خطابا "تونسيا" لحركة النهضة ابتعد عن كل المؤثرات الاقليمية وهو اشارات ايجابية نتمنى ان تتعمق داخل الحركة الاسلامية بالشكل الذي يتيح اندماجها كليا في النموذج التونسي.
في تفاصيل الاستثناء التونسي كشفت لنا نتائج الانتخابات اننا أمام حالة تونسية فريدة في العالم العربي. الاسلاميون طرف في المعادلة السياسية لا يمكن تجاوزه او الغاؤه ولكن من الممكن تحجيمه عبر الارادة الشعبية.
بشعب مثقف ومستوى محترم من التعليم استطاعت تونس ان تخرق قاعدة متواترة تقول ان المستفيد الوحيد من الديمقراطية في العالم العربي هو الاسلاميون دون غيرهم.
في اعتقادي ان الاسلاميين انفسهم راضون عن نتيجتهم التي حققوها كثاني حزب في البرلمان المقبل. مقولة تغول الاسلاميين و استئثارهم بالحكم في اي انتخابات ديمقراطية نزيهة اظهرت يوم 26 أكتوبر محدوديتها في تونس. اليوم يمكننا ان نقول للعالم ان الديمقراطية ممكنة في العالم العربي دون فوز ساحق للاسلاميين وتغولهم.
بلا شك نحن أمام تجربة تونسية نموذج في العالمين العربي والاسلامي. تجربة تمثل درسا مهما للاسلاميين كما للحداثيين.
عنوان الاستثناء التونسي للعالم: نعم يمكن انجاح الديمقراطية في عالم تقليدي محافظ كالعالم العربي.
 
هادي يحمد