آراء

المنشطات الجنسية و التهريب : بين تعنت المهربين و تراخي الدولة في تطبيق القانون

 استقروا فجأة قبالة بعض المساجد في تونس بعد ثورة 14 جانفي 2014. بسرعة استحوذوا على مسالك التجارة الموازية التى انتصبت أمام معظم مساجد البلاد. 

غالبيتهم من الملتحين يرتدون ملابس متدينة (القميص). يبيعون جنبا إلى جنب، البرقع وسجاد الصلاة ... والمنشطات الجنسية.
تمكنهم هذه التجارة من مكاسب تصل بين 50 و 80 دينارا في اليوم الواحد لكل منهم، ما يعادل 1500 و 2400 دينار شهريا أي ما بين 840 و 1344 دولار امريكي.
تتكون نقاط البيع أمام كل مسجد بما يعادل عشرة بسطات، وبذلك تكون الموارد الجملية لكل نقطة بيع منها ما يعادل 24 الف دينار. وتعد تونس العاصمة 32 جامعا وأكثر من 90 مسجدا. 
ويطرح السؤال من الذى يقف وراء هذه التجارة المربحة؟ من أين تاتي المواد التى تباع؟ هل تشكل خطرا على صحة المستهلكين؟ لماذا لم تنجح الحكومات المتعاقبة في وضع حد لهذه التجارة غير المشروعة؟ 
يقترب عقرب الساعة الآن من التاسعة صباحا. أمام مسجد "الفتح"، أحد أهم المساجد في تونس الكبرى، بدأت مجموعة من الملتحين تأخذ مكانها من خلال فرش البسطات على مرأى من قوات الأمن وشرطة البلدية. فعناصرها لا تبادر لتخليص الساحة العامة من هذه التجارة غير المشروعة والتي لا تستجيب لأي شكل من أشكال الرقابة. 
شبكات تهريب متشعبة  
يقول أحمد، وهو بائع متجول، إن معظم المواد تأتي من أفغانستان، وفقا لما هو موثق في الجذاذة (ورقة تعريفية) المصاحبة لعلبة الدواء، اذا اعتبرنا أن لقطعة الورق التي ألصقت على ظهر العلبة معنى. 
يقوم المهربون الأكثر سطوة بسفرات عديدة بين تونس والجزائر وليبيا لجلب هذه المنتجات القادمة من أفغانستان والتى يتم ادخالها إلى السوق التونسية عبر معبر "الذهيبة" (جنوب تونس)، أو عن طريق الجزائر، وفق روايات الباعة الذين التقيناهم.
وتتوفر لدى المهربين خبرة دقيقة ومعرفة بجميع المسالك الرابطة بين هذه الدول الثلاثة. وتوجد لديهم قدرة على تمرير هذه المنتجات دون مصاعب من خلال شبكات التهريب الضخمة لمختلف أنواع السلع. 
وبمجرد دخول هذه المنتجات إلى تونس، تتولى مجموعة من عشرة أفراد، استقروا في تونس العاصمة وضواحيها (بما في ذلك سيدي حسين، منوبة ودوار هيشر)، مسؤولية توزيع هذه المواد على نقاط البيع. 
اتصل معد التحقيق ب27 شركة لبيع النباتات الطبية في تونس، واتضح أن أيا منها لا ينتج المنشطات الجنسية التي وجدنها تباع على المفروشات امام المساجد. ذلك يعني أن منشأ البضاعة غير معروف. 
وبينت المعلومات التى قمنا بتجميعها أنه لا يوجد أي رابط لهؤلاء الاشخاص مع شبكات تمويل الإرهاب وأن الأمر لا يتعدى أن يكون تجارة لكسب لقمة العيش.
مواد خطرة وغير واضحة التركيبة  
ووفق ما قمنا بمعاينته فإن المنشطات الجنسية  المعروضة للبيع في الأماكن العامة لا تتوفر على شهادة اعتماد. فهي مواد متأتية من التهريب او من خلطات تقليدية غير مراقبة من ذلك المراهم والزيوت والكريمات والحبوب المعروضة للبيع وذات المنشأ غير المعروف والتى يمكن أن تتسبب في تبعات وأضرار صحية جسيمة. 
وأفادنا أحد الباعة يدعى أحمد، وهو أحد الذين قبلوا بأن يدلوا لنا بتفاصيل (دون أن يعرفوا مهنتنا). يقول أحمد أنه كان شاهد عيان لعدد من المشادات الكلامية بين البائعين والمشترين طرأت لهم مضاعفات بالجلد. قضينا بضعة أيام لمتابعة ما يحدث أمام مسجد "الفتح" ولم تتسير لنا معاينة مثل هذه المشاهد. كما رفض العارضون لهذه السلع أو الأشخاص الذين التقيناهم بصدد اقتناء مثل هذه المواد التحدث عن تجاربهم مع المنتجات التى اقتنوها على أساس انها منشطات جنسية. 
والمعلوم، فإن البعض من هذه المنتجات هي في الواقع مواد ونباتات طبيعية. وقد أثبتت التحليل المخبرية التى قمنا بها أن هذه المنتجات لا تشكل خطرا على صحة المستهلك الا ان التحاليل لم تثبت ايضا أن لهذه المواد أي تأثير على النشاط الجنسي فهي عبارة عن خلطة من النباتات التي لم يتم بعد معرفة  تأثيراتها بشكل علمي. 
السلطات تجاوزتها الأحداث 
محمد الرابحي ، مدير الصحة والمحيط أكد لنا أن تدخل وزارة الصحة في هذا المجال لا يزال محدودا للغاية: "نحن نقوم ببعض عمليات  الرقابة من وقت لآخر، لكنها تبقى غير كافية بالنظر للعدد الكبير من الباعة الجوالين وللمخاطر التي يمكن ان يتعرض اليها اعوان الوزارة خلال هذه المهمات خاصة وان جزءا هاما من هذه التجارة تقع تحت سيطرة شبكات تهريب اجرامية". وأضاف في تنهيدة طويلة، إن الحكومة لديها أولويات أخرى. 
ذات الموقف جاء في تصريحات الطبيب ووزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي الذى أفادنا ب "أن للدولة أولويات اخرى. هذا المجال لا يمثل أولوية بالنسبة لنا". 
أما بالنسبة للوزير الحالي محمد صالح بن عمار، فأسر لنا أن بيع مثل هذه المواد " يقلق" الوزارة وأن "المعركة ضد هذا الصنف من المهربين لا يمكن كسبها بسهولة بخاصة وان الشرطة البلدية تجدها عاجزة امام تعنت وهيمنة شبكات التهريب".
وضاعفت بلدية تونس من الاجراءات لتخليص الساحة العامة من باعة المواد المهربة، ولكن دون جدوى. ففي حربها ضد ظاهرة التهريب، توصلت وحدات من قوات الأمن خلال سنة 2013 ما يقارب 107 مليون دينار ما يقارب 60 مليون دينار خلال سنة 2012 وفق دراسة أعدتها الديوانة التونسية.كما تمكنت السلطات الأمنية خلال الفترة الفاصلة بين غرة يناير إلى حدود 30  أفريل 2014، من مصادرة كميات من البضائع قدرت قيمتها ب  5 مليون و 396 ألف  دينار، اضافة إلى السيارات التى يتم استعمالها في عمليات التهريب والتى قدرت قيمتها ب 11 مليون و247 ألف دينار. وتبرز هذه الأرقام بشكل واضح مدى خطورة وأهمية حجم الاتجار غير المشروع. 
أما بالنسبة للشرطة البلدية، فتمكنت لغاية 26 فيفري 2014 من القيام بأربع عمليات مصادرة لهذه المنتجات التي اتلفت وفقا لمقتضيات القانون. ويشار الى انه، ومنذ ذلك الحين، فان مثل هذه العمليات قد توقفت رغم أن المفروشات ونقاط البيع أمام المساجد قد عادت الى سالف نشاطها وفق ما عايناه على الميدان.
أما عن إدارة الجمارك فتقر أنه لا يتوافر لديها أي معلومات حول المنشطات الجنسية التي تعبر الحدود. والمعلوم انه وفقا لميثاق عمادة الصيادلة فان أي منتجات صيدلانية لا يمكن تداولها بالبيع او الشراء الا من قبل الصيدليات التى حصلت على شهادة من الدولة تخول لها ممارسة هذا النشاط. 
نشاط مدمر للاقتصاد الوطني 
بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على الصحة، فان التجارة الموازية التى لا تخضع للرقابة تساهم في تدمير الاقتصاد الوطني وفق ما أعلنه في عديد المناسبات مسؤولون عن قطاع الاقتصاد.
ويقر نبيل عبد اللطيف، رئيس عمادة المحاسبين القانونيين استنادا للأرقام أن التجارة الموازية تمثل نصف الاقتصاد التونسي ويعتبر الاتجار بالأدوية والمنشطات الجنسية جزءا منه دون أن تتوفر لذلك معلومات دقيقة باعتبار تشعب هذا النشاط وعدم خضوعه لأي شكل من الرقابة.
ويشار الى انه منذ ما يقارب ثلاث سنوات، تواصل السلطات وباعة المنشطات الجنسية لعبة القط والفأر. فمن جهة نجد المهربين وقد اثبتوا قدرة كبيرة على المثابرة ومن جهة اخرى نلاحظ تهاون الدولة و"خشيتها" مواجهة جماعة ذات تركيبة معقدة مثل مجموعة المتدينين. 
ويتواصل تدفق المنتوجات المتأتية من شبكات التهريب بشتى أنواعها على السوق التونسية بالرغم من وجود ترسانة من القوانين التى من المفترض أن تحد من هذه المخاطر والتى تبقى دون تطبيق لسبب أو لآخر. 
 
ماهر قاسم