آراء

النهضة في أزمة بسبب دعمها للمرزوقي

 كتب - منذر بالضيافي

دعا مجلس شورى "حركة النهضة"، في دورته الأخيرة المنعقدة يومي السبت والأحد، أنصار الحركة وأعضاءها إلى "انتخاب المرشح الذي يرونه مناسبا لإنجاح التجربة الديمقراطية وتحقيق أهداف الثورة في الحريّة والديمقراطيّة والعدالة"..
و بهذا نلاحظ –دون شديد عناء – أن شورى النهضة أعاد تثبيت الموقف السابق لـها، حيث سبق وأن أعلنت الحركة خلال الدور الأول للرئاسية، عن نفس الموقف ذاته تاركةً لأنصارها حرية اختيار المرشح الذين سوف يدعمونه.
مثل هذا الموقف الجديد/القديم، هو في الحقيقة بمثابة "مساندة غير معلنة" للمرشح الرئاسي المنصف المرزوقي، على غرار ما حصل خلال الدور الأول من الانتخابات الرئاسية. حيث لم تقتصر الحركة على التصويت للمرزوقي، بل أنها قدمت له السند "اللوجيستيكي" الذي وظفته الحركة في الانتخابات التشريعية. و مكنته من "جيش" من الملاحظين لمراقبة "سير العملية الانتخابية وشفافيتها". اضافة الى كونها دفعت "خزانها الانتخابي" التقليدي، خاصة في دوائر الجنوب للاصطفاف وراء المرزوقي.
وبهذا فان دعم "الجهاز النهضاوي" و"شعب النهضة" هو الذي أحدث الفارق، وهو الذي أوصل المرشح المرزوقي للدور الثاني، حيث تمكن من حصد مليون وحوالي 100 ألف صوت، ليتصدر المركز الثاني، خلف زعيم "نداء تونس" الباجي قائد السبسي.
وهو دعم مهم، جعل المرشح الرئاسي الباجي قائد السبسي، يطالب "حركة النهضة"، بموقف "واضح وصريح" في الدور الثاني للرئاسية، وهو الذي أكد في تصريح سابق على "أن الإسلاميين والسلفيين والجهاديين هم من ساندوا المرزوقي في الدور الأول"..
غير أن مداولات مجلس الشوري لم تقدم الاجابة أو الموقف الذي كان ينتظره السبسي، والمتمثل في الحد الأدني في اعلان "الحياد الايجابي"، عبر سحب ملاحظيها وتحييد "الماكينة الانتخابية النهضوية"، اذ أن الباجي لا ينتظر تحولا في مواقف ناخبي النهضة لمساندته عوضا عن المرزوقي. فهو يدرك قبل غيره أن هذا لن يحصل أبدا، برغم أن السياسة "فن الممكن بامتياز". وهو محق في ذلك، فلا يمكن للاسلاميين الذين عملوا بالليل والنهار منذ ثلاثة سنوات أو أكثر على "شيطنة" الباجي و"نداء تونس" أن يغيروا موقفهم ويصعدوه للرئاسة.
غير أن عجز مجلس الشورى، عن استصدار موقف "واضح" وفق قول السبسي، يعلن فيه عن "تحييد" أجهزة الحركة قبل ناخبيها، كشف عن أن النهضة ما زالت لم تحسم أمرها، وأنها تريد استعمال "ورقة الرئاسية" من أجل حصد "مغانم" سياسية عجزت عن حصدها بالانتخابات.
كما أنه موقف يكشف أيضا عن عمق التباينات داخل الحركة وتحديدا مجلس الشورى. وفي هذا الاطار علمنا من مصادر مطلعة، أن راشد الغنوشي الذي يتزعم "التيار المعتدل" داخل "حركة النهضة"، لم ينجح في إقناع "تيار الصقور" الذي يمثل أغلبية مجلس الشورى، في اتخاذ موقف "الحياد الإيجابي" من الدور الثاني للرئاسية.
يذكر أن أغلبية أعضاء مجلس شورى "النهضة" الذين جاء بهم المؤتمر التاسع للحركة، هم من الصقور، وأنهم يتمسكون بدعم المرشح المرزوقي، وهو أيضا موقف أغلبية قواعد "النهضة" وإطاراتها/كوادرها الوسطى.
بما يعني أن الشيخ راشد الغنوشي لا يمسك بكل خيوط القرار داخل الحركة، وهذا ما أشار اليه رئيس حملة المرزوقي، عدنان منصر الذي قال في مقابلة تلفزية ضمن برنامج "لمن يجرؤ فقط"، أن قرار الغنوشي في ما يتعلق بالرئاسية، ليس هو المحدد، مشيرا الى أن له "دور وظيفي" لا غير. في اشارة الى أن المرزوقي لا يعول على الغنوشي، ولا يعطي اعتبارا مهما لتصريحاته وتأثيره، وأنه بالتالي يحظى بمساندة "أصحاب القرار" داخل "التنظيم"، وهذا ما أثبتته نتائج الدور الأول.
وهذا ما يؤكده أيضا تصريح المرزوقي السابق، الذي توجه فيه مباشرة الى "شعب النهضة"، ولم يتوجه الى القيادة ممثلة في الشيخ الغنوشي. وفي سياق متصل هناك معلومات مؤكدة، بكون جزء مهم من قيادة النهضة، تخشى من تحويل وجهة قطاع مهم من قواعدها وخزانها الانتخابي، من قبل المرزوقي وجماعته. وأن الأمر قد يصل الى تأسيس حزب سياسي جديد يضم الغاضبين أو الغير راضين عن سياسة الغنوسي.
وبالعودة الى موقف شورى النهضة الأخير، نلاحظ أنه خضع لحسابات داخلية أولا، وأنه يفتقد الى مقتضيات "الحسم"، وهو المطلوب في مثل هذه الحالات، لأنه في علاقة وثيقة بمستقبل الاستقرار السياسي في البلاد، وأيضا بمستقبل ادماج حركات الاسلام السياسي في الحياة السياسية. وهو ما جعل عديد المحللين يرون بأنه كان على الحركة أن تحسم في الموضوع وتبتعد عن "التقية" في المواقف، أو المراهنة على "كسب المزيد من الوقت"، وهو موقف في خلاف مع ما تقتضيه "المسؤولية" السياسية، خاصة في فترات الانتقال الهشة المصحوبة عادة بمخاطر، تهدد وحدة المجتمع والدولة، ولعل "فزاعة" تقسيم البلاد التي عملت حملة المرزوقي على توظيفها، موظفة قراءة مضللة لتصريح لقائد السبسي، أكبر دليل على أن "الهروب للأمام" ليس هو الحل.
وبهذا فان ترك الباب مفتوحا للتأويلات ليس هو الحل الأسلم، وهو ما ضمن في بيان شورى "النهضة"، الذي أختُتم بالإشارة الى أن مؤسسات الحركة ستواصل "دراسة الموضوع لتعلن الحركة موقفها النهائي خلال الأيام القادمة".. فما هي المستجدات التي ينتظرها أعضاء الشورى لحسم أمرهم، الذي قد يأتي بعد فوات الأوان، فيصبح حينها "شيكا بلا رصيد".
قرار شورى النهضة السابق والحالي في ما يتصل بالرئاسية، عبر عن خوف من خروج كبير للقاعدة عن امرأة "التنظيم"، فاختار التمسك بالمقولة الشهيرة: "حق الاختلاف وواجب وحدة الصف.".. كما بين القرار - الذي يوصف بالمتردد- أن الحركة مسكونة في كل قراراتها السابقة والقادمة بهاجس الخوف، الخوف من اعادة انتاج ما حصل الاخوان في مصر، خصوصا وأن الكثير من قياداتها وقواعدها عبروا صراحة عن عودة بعض ممارسات سابقة لأجهزة الدولة، في اشارة الى وجود مخاوف من عودة الحل الأمني في التعاطي مع ملف الاسلاميين.
ان الحديث عن عودة الدكتاتورية والدولة التسلطية مجرد "فزاعة " لا غير ، فالنظام القديم رحل ولن يعود. برز ذلك بوضوح من خلال معاقبة الشعب التونسي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة للأحزاب "التجمعية" وكذلك الأحزاب "الثورجية"، وهو ما يدل على وجود مطلب مجتمعي قوي، يدعوا الى استعادة هيبة الدولة لا العودة الى الاستبداد. فالمسار الانتقالي الحالي هو نتاج لحيوية المجتمع التونسي الذي لن يسمح أبدا بعودة الدكتاتورية.