آراء

غازي الغرايري: هلاّ ارتقينا إلى مستوى التحدي؟

ما حصل أمس بمتحف باردو قذف بنا بسرعة فائقة في أتون حرب كان إلى حينها بعضنا يظن وبعضنا الآخر يتمنى تلافيها وهي الحرب الشاملة والمفتوحة على الإرهاب.
أخذ الإرهاب منذ تمظهراته الأولى مع أحداث الروحية سنة 2011 أشكالا محدودة نسبيا على بشاعتها إذ كانت في مجملها موجهة إلى قوات الأمن والجيش ومنحصرة في مناطق قريبة من أماكن تموقعهم وكنا نخال أن حربنا معه ستبقى جبلية بالأساس تقوم على مواجهة قوات الأمن للإرهابيين ويشاهدها المدنيون على شاشة التلفزيون.
نستفيق اليوم على معطى جديد على غاية من الأهمية فالإرهاب نزل من الجبل ووصل إلى السفح.. وصل إلى المدن.. وصل إلى قلب الأماكن السيادية بالعاصمة وطالت يده المدنيين التونسيين وضيوفهم الأجانب، فاللحظة التي نعيش فاصلة وخطيرة.
من نافلة القول أن الثورة والانتقال السلمي والمدني والديمقراطي الذي أفرزته بلادنا والتراكم الديمقراطي الذي بدأنا في اكتنازه يجعلنا مرمى وهدف كل الذين بيننا ومن حولنا لا يؤمنون بالخيار الديمقراطي وبمجتمع قوامه المواطنة.
ومن نافلة القول كذلك أن عدم اجتثاث التهميش والفقر والضيم والتصحر المعرفي والثقافي من جذوره وكذلك عدم تهشيم الحلقة الخبيثة المنتجة للإقصاء سيُبقي أرضية انتداب واستقطاب مئات الإرهابيين خصبة ووفيرة الإنتاج.
كل البلدان تشهد أعمالا إرهابية فكما كانت باردو أمس كانت كوبنهاغ وباريس وسيدناي وبروكسال وغيرها من قبل.

علينا فقط أن نختار في صف أي نوع من الدول التي تواجه الإرهاب نريد أن نكون ؟
يواجه الإرهاب بأدوات الدولة الكليانية والقمعية التي تتخذ منه مطيّة لطمس حقوق الفرد وليجثم الحاكمون فيها على شعوبهم باسم محاربته كما أنه يواجه بأدوات الدولة الديمقراطية التي توازن بين نجاعة العمل الأمني والاستخباراتي وشفافية عمل مختلف السلط المتدخلة من ناحية وضمان شروط دولة القانون وحقّ المواطنين في المعلومة الصحيحة والمجتمع المدني في المساهمة والتأثير في هذه المواجهة من ناحية اخرى.
ولقد بينت التجارب المقارنة أن الثانية لا تقل نجاعة عن الأولى بل نتائجها أبقى وأعمق.
نرجو أن هذا الذي حدث سيدفع طبقتنا السياسية وطليعتنا بصفة عامة إلى الارتقاء إلى مستوى التحدي الذي نواجه وأن تكون عند انتظارات التونسيين فتتخلى عن المزايدة السياسوية وعلى تفضيل البحث عن التموقع والظهور والسعي إلى موطئ القدم الحزبي والارتفاع إلى مدار المسؤولية التاريخية ودقة اللحظة الفارقة.
تفضي كل حرب بالضرورة إلى منتصر ومنكسر ففي انتصارنا على الإرهاب انتصار منوال المجتمع الحديث والمتأصل الذي يعلي قيمة المواطنة واختار نهج التداول الديمقراطي لإدارة شؤونه وفي انهزامنا انهزامه.
تقتضي هذه الحرب روحا وطنية عالية ومغالبة للذاتي والحزبي من أجل الوطني كما تقتضي صفوفا متراصة وراء جندنا وأمننا لا يشقها مناوئ أو مشكك أو خسيس أيّا كان.
تقتضي هذه الحرب سلطة صارمة في مواجهة الإرهاب قاسمة لظهره ملتزمة بمحددات الدولة المدنية والديمقراطية آخذة من مواطنيها حلفاءها في مواجهته لا قُصّرا تروي لهم ما تَيَسَّر من نشاز المعلومة وعمومي اللغو.
تقتضي هذه الحرب إعلاما حرا جريئا مقدّرا لدوره ومسؤوليته مقلعا عن البحث عن السبق للسبق وقاطعا الطريق أمام تيار الإشاعة الجارف.
كما تقتضي هذه الحرب مواطنا يقظا ومجتمعا مدنيا نشيطا ومعبّأ وحاشدا للصفوف إذ لم نعرف بلدا انتصر على الإرهاب من دون مواطنيه.
على التونسيين أن يعوا أن من قرر وخطط لضرب متحف باردو رمز أمجادهم وعنوان عظمة حضارتهم وقتل أبناءهم وكذلك ضيوفهم السواح رمز انفتاحهم وعماد اقتصادهم ليلة عيد استقلالهم إنما لا يعادي فريقا أو طيفا أو لونا أو جزءا منهم بل عاداهم جميعا.
فَلنُبيّن للحفنة المُحِبَّة للموت أننا أمة بأسرها تُحب الحياة.

غازي الغرايري