آراء

سيدي الوزير : انعدام الثقافة الدينية أزمة في حد ذاتها !

أحالني قرار وزير الشؤون الدينية،عثمان بطيخ، القاضي  بـفتح السجون أمام عدد من الأئمة والدعاة لإلقاء دروس دينية بهدف "توعية وإرشاد" المساجين إلى حادثة هروب أبو عياض من جامع الفتح  في سبتمبر 2012حيث كان يختبأ فيه لما كانت الداخلية تطارده.. و كذلك،إلى قضية منع نشاط عدد من الجمعيات  القرآنية التي ثبت تورطها في تمويل عمليات إرهابية  و أيضا : إلى مسألة تجاوز الحريات حدها إلى درجة "الانفلات "مما أدى بالبعض إلى الدعوة،علنا، إلى "  إقامة الحد " على بعض "المتسببين في الهرج للدين".
ذلك أن كل هذه الأمور مرتبطة بعضها ببعض فكلها  يصب في نفس الواد: أزمة انعدام "الثقافة الدينية" و غيابها عن المشهد برمته ...ليس المشهد الديني فحسب بل الأخلاقي و المجتمعي في آن واحد، مما جعل من السهل انتشار ظواهر متعددة من بينها  ظاهرة العنف التكفيري، بغض النظر عن الأطراف الرئيسيين، المتسببين في انتشار الظاهرة أو المساهمين فيها.
أتذكرون حادثة رفع أحد السلفيين "الكفن" في وجه علي العريض (وزير الداخلية في فترة حكم الترويكا) و تزامن تلك الحادثة مع تصريحات لرئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، يقول فيها إن "السلفيين هم أبناؤه و إنهم يبشرون بثقافة" !
أتذكرون أيضا تقرير قناة المتوسط الذي اعتبرت من خلاله ،حادثة قبلاط (في أكتوبر 2013، و التي راح ضحيتها الشهيد سقراط الشارني و زملاءه ) مجرد "عملية بحث عن الكنوز" !
محاورة بعض الصحف و المؤسسات الإعلامية السمعية و البصرية لأبي عياض و إعطاء الفرصة له و" للمبشرين بالثقافة أمثاله"  للترويج لنزعتهم ... هؤلاء الذي يتخذون من الذبح نوعا من أنواع الجهاد .. في صورة أشبه بالقصاص على طريقة جديدة: الانتقام من العدو عبر اتهامه أو تلفيق تهمة به أو عبر تكفيره !
تصريحات "الشيخ" الحبيب اللوز للصباح الأسبوعي في ماي 2013 من أنه يتمنى عودة الشباب له ، للذهاب إلى سوريا قائلا :"لوكنت شابا لذهبت للجهاد في سوريا" !
توزيع "صكوك الغفران" بالمؤسسات الجامعية : مطويات كتب عليها "النهضة طريقي إلى الجنة" توزع على الشباب خلال الحملة الانتخابية لحركة النهضة قبل انتخابات  23 أكتوبر.
المناداة بقطع رأس السياسيين و تكفير عدد كبير منهم  و من المفكرين (يوسف الصديق، ألفة يوسف..) و هو ماجاء في فيديو لأحد أيمة المساجد بجهة جرجيس حيث قال بالحرف "نطالب  برأس نجيب الشابي و شكري بلعيد و أمثالهم، رؤوسهم مطلوبة في جرجيس" و كانت تلك ردة فعلهم على حادثة العبدلية و على ما اعتبروه " الاستهزاء بالرسول .." لكن هل تبرر العاطفة الدينية الدعوة إلى العنف و التحريض على القتل ؟؟
أذكّر بكل هذه الأحداث لأنه في اعتقادي، أن انعدام ثقافة دينية شاملة و مضبوطة المعايير و الانفلات في الخطابات و التسرع في إصدار القرارات  و تبرير العنف لا يمكن أن يؤدي إلاّ للعنف و القتل و انتشار ظاهرة الإرهاب الفكري و الإرهاب المجتمعي.
تصريحات بسيطة أو تصريحات نبسّطها.. و نعتقد أنها "عادية" قد تؤدّي في غالب الأحيان إلى ما لم يحسب له حساب ، و اغتيال الشهيد شكري بلعيد بعد تكفيره أكبر دليل على ذلك.
فهل أن فتح المساجد للدعاة سيكون حلاّ لكل هذه الإشكالات ؟
و من هم الدعاة : وجدي غنيم و غيره ممن اعتبرو تونس أرضا للجهاد ؟ و ان نخبتها علمانية لابدذ أن تحاسب ؟
ما هي طبيعة تفكير هؤلاء  و ما هي توجهاتهم الدينية و الفكرية ؟
أيّ إيديولوجية يحملون ؟
ما نحتاجه اليوم فعليا هو إعادة النظر في السياسة الدينية برمتها  : بمعنى مراجعة سياسة تسيير المساجد و إدراجها ضمن المرافق العمومية بهدف النأي بها عن الصراعات الحزبية و السياسية.
-    إعادة الهيبة للمسجد و مكانته في النسيج المجتمعي.
-    إعادة الاعتبار لجامعة الزيتونة عبر تحفيز التلاميذ على الدراسات الدينية (في عمقها) من أجل تكوين نخبة قادرة على إدارة الشأن الديني (بالمعنى التام الإدارة) و استنادا إلى ضوابط علمية.
-    بعث شعب امتياز في اختصاص الفقه الإسلامي أو ما يسمى بــ"بوليتكنيك الأديان."
-    عدم إسناد الإمامة إلا للمجازين من الجامعة الزيتونية و كذلك احترام منصب وزير الشؤون الدينة من قبل متوليّه أي رفض التصريحات "العشوائية " و القرارات غير المأخوذ بعين الاعتبار، آثارها السلبية.
-    إرساء مادة "التربية الدينية " بهدف تكريس ثقافة التعايش بين الأديان و التسامح و قبول الرأي الآخر و الدين الأخر و وجهة النظر الأخرى.
-    إيجاد صيغ للتدرّج العلمي و المهني و تدعيم المقدرة الشرائية للإطارات الدينية لتعود لها مكانتها الاجتماعية و لتحفظ كرامتها و حتى لا تكون في حاجة إلى "أموال مشبوهة" إذ لا يمكن محاربة التشدد الديني بواسطة البروليتاريا المسجدية " التي أفرزتها سياسة تهميش القطاع الديني و كذلك التعليم الزيتوني.
في ختام هذا المقال أشير إلى أن التولي الشكلي للمناصب و الاكتفاء بالتصريحات و الكلام أصبحت "موضة" قديمة ، و من الضروري تجاوزها إلى الفعل ... فقد كثر حديثنا (نحن العرب) و حق انطباق المثلي الشعبي علينا ، حتى كثرت الزغاريد على حساب" الكسكسي".


آسيا توايتي