آراء

إصلاح التعليم : البطالة و سيادة الدولة

انطلقت منذ أيام استشارة وطنية تهدف إلى إصلاح المنظومة التربوية ، و يبدو أنّ المساعي حثيثة من قبل وزير التربية، السيد ناجي جلول، و هو ابن المنظومة التربوية و أحد أطرافها،جامعي، له توجهات إصلاحية خاصة في مجال التربية و التعليم و لطالما كان مدافعا عن الفكر التنويري و لعل طلبته في كلية الآداب منوبة و من حاوره من الصحفيين يعرفون ذلك جيدا : لكن هل تكفي كل هذه الصفات و هل تفي بالغرض ؟
إنّ قضية التعليم و إصلاحه، قضية قديمة، كما أنّ هذه "العملية السياسية" ذات تأثيرات عديدة على جميع الأصعدة( فردي و عام) و المجالات (الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية)و ما دفعنا إلى التساؤل عن مدى نجاعة ما يتصف به الوزير من "حكمة" في تحديد مسار الإصلاح التربوي هو إيماننا أن إصلاح التعليم مع مجتمع متعلم أصعب بكثير من إصلاحه مع مجتمع غير متعلم ! و هنا نستحضر قول أفلاطون :" لا تكن حكيماً بالقول فقط، بل وبالعمل".
من جانب آخر فإنّ المجتمع غير المتعلم قد يقبل بأي شكل من أشكال الإصلاح و بأي توجه كان و قد يكون من السهل إقناعه بالنتائج مثلما ما حصل مع بورقيبة ، الذي لا يزال يحسب له إلى اليوم رهانه على التعليم و مقاومته للأمية و الجهل. حيث عممه ووحده و شرع لمجانيته بداية من سنة 1958 و من قبله المنصف باي الذي دعم إجبارية التعليم.
لكن بما أنّ أغلب محاولات الإصلاح لم تعد ناجعة اليوم أمام تطور مقاييس التقدم العلمي و أمام تزايد رهانات المرحلة لا فقط على مستوى و طني،بل على مستوى دولي نطرح التساءلات التالية: أين تقف تونس مقارنة بالنجاحات العلمية التي حققتها عديد البلدان،فنلندا مثلا التي تتصف بكونها صاحبة أفضل تعليم و أفضل نظام تعليمي و أنجحه على مستوى عالمي؟ لما لم تنجح تونس في تصدير نموذجها و هي التي أرست تعليما مجانيا و عملت على تكريس مبدأ المساواة الحقيقية في فرص العمل دون ميز أو تفريق اجتماعي أو اقتصادي و ألزمت به الطامة و العامة؟ و لما لم تتمكن بلادنا من النهوض بمستوى الطلاب و الأساتذة الذين تحصلوا على زيادة في أجورهم بعد معركة خاضوها طويلا مع الوزارة ؟ لما لم يتحصل المدرّس على راتب مرتفع خصوصا إذا كان حاصلا على شهادة الماجستير كما هو الشأن في النموذج المذكور؟
لما، ضل الإشكال عالقا في ما يتصل بالعاطلين عن العمل، خصوصا منهم أصحاب الشهائد العليا و هل كانت المنحة التشجيعية تجربة فريدة ؟ ما هو دور المؤسسات التعليمية الخاصة و ما مدى تأثيرها على مردودية التعليم العمومي ؟ و على ابراز الفوارق بين شِقَّيْنِ من المتعلمين؟
هل أصاب الوزير عندما وعد بمحاربة التعليم الخاص و المؤسسات التعليمية "الموازية" و هل أنّ غياب المنافسة الجدية هي أبرز أسباب الفشل أم أنّ الفشل كامنٌ لا محالة ؟
كيف يمكن ضمان شغف الطلبة و التلاميذ بالتعليم أمام موجات الإحباط المتعلقة بالبطالة "الحتمية " و بالإيمان الراسخ من أنّ برامجنا التعليمية لا يمكن أن تكون دافعا إلى المضيِّ قدما و إلى تربية الناشئة على المبادرة الذاتية و روح المنافسة و الإصرار ؟
كم من الوقت ستدوم الاستشارة الوطنية التي تم إطلاقها و هل أنّ هذا الوقت كفيل بترقيع ما مضى و تسطير ما هو آتٍ على أكمل وجه ؟ أم أنّ هذه السياسة وهذا المخطط الوزاري سيتطلب الكثير من الصبر و المزيد من السنوات لمعرفة النتائج؟
طرح قبل الآن سؤال جوهري ألا وهو : هل أنّ الوسائل المعرفية لتجسيد الوصل بين المعارف والعلوم والتخصصات متاحة؟ و قد خَلُصَتِ الإجابة إلى أنّ أنصاف الحلول لا تنفع و انه رغم توفر الظروف الملائمة و التخصصات الحديثة و المقاربات الاجتماعية المعاصرة إلاّ أنّ الإشكال يكمن في مدى اتصاف هذه الحلول بــــصفة "التونسة "ـ كونها حلول نابعة من الداخل و لا دخل فيها و لا داخل !: مقترحات توضع على قياس بلادنا و انطلاقا من مميزات مجتمعنا .
كيفية البناء على ما بني لا الهدم و إعادة البناء ، و الأخذ بعين الاعتبار أمام ذلك كله سيادة الدّولة و صورتها لا فقط لدى الأطراف الخارجية بل لدى أبنائها...
آسيا توايتي