آراء

هل يسقط المعلمون حكومة الصيد؟

 منذر بالضيافي
هناك إجماع، على أن المشهد التونسي الحالي، ينذر بالانزلاق نحو الفوضى، وذلك في ظل تصاعد الإضرابات القطاعية، وتواصل الحراك الاحتجاجي في عدد من مدن الجنوب، اضافة الى حراك ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، ولعل حملة "وينو البترول"، تدعم مدى فاعلية هذا "الجيل الافتراضي" من الاحتجاج.
في مقابل هذا الوضع المتحرك، نجد أن تحرك الطرف الحكومي الذي غلب عليه التردد خلال ال100 يوم الأول، بدأ يغادر هذا السلوك، باتجاه "المبادرة" عبر تطبيق القانون، وبالتالي ايقاف "نزيف ابتزاز" الدولة، وهو ما كان واضحا في خطاب رئيس الحكومة في 5 جوان الجاري، الذي وعد بتدشين مرحلة جديدة في ادارة شؤون الحكم تختلف عن التي سبقتها طيلة المائة يوم الأولى.
انتقل الطرف الحكومي، من "التهديد" بتطبيق القانون الى اتخاذ اجراءات عملية على الأرض، فكان قرار خصم أجور المضربين، ثم قرار –في حجم العلقم- يقضي بنجاح كلّ تلاميذ المرحلة الابتدائيّة بصفة استثنائية، "ويأتي هذا القرار الذي يقتصر على السنة الدراسيّة الحاليّة دون سواها على خلفيّة تعذّر إجراء اختبارات الثلاثي الثالث بعديد المدارس الابتدائيّة بسبب الإضراب الإداري علاوة على تعذّر عقد مجالس الأقسام المؤهّلة للنظر في ارتقاء التلاميذ سواء بالمعدّل أو بالإسعاف".
القرار الحكومي الأخير، سيكون دون شك محور جدل وتجاذبات كبيرة، خاصة مع المنظمة الشغيلة، وأيضا مع معارضي الحكومة ومن يصطادون عثراتها، الذين سيرون في مثل هذا القرار، بمثابة "هروب للأمام" و "عجز عن ادارة الحوار" وحتى دليل على "فشل حكومي يكون مقدمة لمطالبتها بالاستقالة".
على أن القرار الحكومي، وأيا كانت مسوغاته، يكشف بوضوح، عن عدم قدرة الحكومة على ابتداع حلول من جنس المشاكل المعقدة التي تواجهها. اذ أنه لا يمكن الرد على اضراب اداري للمعلمين – قد يكون غير شرعي- باجراء عقابي في حق التلاميذ والمؤسسة التربوية. على اعتبار وأن قرار النجاح والرسوب قرار بيداغوجي بيد الاطار التربوي وليس اداري بيد الحكومة.
وهنا نتساءل، هل أن القرار الذي اتخذته وزارة التربية وأشرت عليه رئاسة الحكومة سيساعد على حل المشاكل الخلافية بين الوزارة ونقابة التعليم الأساسي؟ وما هي أثاره على مستقبل العلاقة بين الحكومة واتحاد الشغل؟ وهل أن الحكومة سعت من ورائه الى استرجاع "هيبة الدولة"؟ وهل يمكن أن تؤدي تداعياته النقابية والسياسية الى التعجيل برحيل حكومة الصيد؟
من جهة أخري، نشير الى أن هناك من يعتبر بأن الطرف النقابي عمل على وضع الحكومة في الزاوية، من خلال اتخاذ التلاميذ كرهائن، وهذا ما يفسر "ثورة الأولياء" على هذا التصرف النقابي، الذي سيكون له قطعا تأثير على المكانة الرمزية التي يشغلها الاتحاد العام التونسي للشغل في المجتمع والدولة.
ان حكومة الصيد، برغم أنها مسنودة من قبل أغلبية برلمانية، نجدها في كل الأزمات التي تمر بها "معزولة" وبلا سند سياسي من الأحزاب المشكلة لها. في المقابل نري أن انتضارات التونسيين ذات سقف مرتفع. وهنا وفي مثل أوضاعنا الحالية على الجميع أن يدرك، أنه من الصعب مطالبة الحكومة، بإحداث تغييرات جذرية وهيكلية، في حياة الناس وكذلك في أسلوب الحكم، في أيام أو حتى في أشهر قليلة، وخاصة في أوضاع شبيهة أو مماثلة للأوضاع التي تعيشها تونس.
لكن، هذا لا يمنع من ضرورة وجود إشارات أو رسائل، مفادها أن هناك تغيير حصل في إدارة شؤون الحكم، وهذا في الواقع ما يطالب به الكثيرين، وهذا ما انتبهت اليه الحكومة. التي قررت التعاطي بطريقة مختلفة مع ملفات حارقة، تقطع مع الطريقة والأسلوب الذي كانت تتعاطى به معها الحكومات السابقة. مثل محاربة الإرهاب، وغلاء المعيشة وتدهور المقدرة الشرائية، والحوار الاجتماعي، وتطبيق القانون بوصفه الطريق لاستعادة هيبة الدولة المفقودة. وهي هنا نلاحظ أنها بدأت ترسل بإشارات تدل على إمكانية حصول معالجة مختلفة، لهذه القضايا الحارقة، المتصلة عضويا باستعادة هيبة الدولة و بالأمن القومي في مفهومه الشامل.