آراء

مصر تكتشف اكبر حقل للغاز الطبيعي في المتوسط : انت لقيت الغاز.. وانا وقتاش؟؟

 زمردة دلهومي 

اعلنت شركة ايني الايطالية للطاقة والسلطات المصرية الاحد اكتشاف "اكبر " حقل للغاز الطبيعي في المياه الاقليمية المصرية، وقالت الشركة في بيان ان احتياطات الحقل قد تبلغ 850 مليار متر مكعب في منطقة مساحتها مئة كلم مربع.
واضافت ان الاكتشاف هو "الاكبر على الاطلاق في البحر المتوسط وقد يصبح واحدا من اكبر اكتشافات الغاز في العالم".
و اكدت وزارة البترول المصرية الاكتشاف الذي اطلق عليه حقل "ظهر" موضحة انه يقع على عمق 4757 قدما (1450 مترا) ويصل عمقه الاقصى الى حوالى 13553 قدما (4131 مترا).
في واقع الامر هذا الاكتشاف التاريخي من جهة يدفعنا من جهة الى الاستبشار وتهنئة دولة مصر الشقيقة التي يتجاوز عدد سكانها الثمانين مليون نسمة بهذا الحدث الضخم الذي سيعمل على قلب موازين اقتصادها ويزيد في نموه بدرجات اعلى ويساهم ايضا في تحقيق التوازن الاجتماعي ومن جهة اخرى يدفعنا الى طرح عدة اسئلة تتعلق بواقع تونس الطاقي والاقتصادي اين نحن من خارطة الانتاج الطاقي و اي استراتيجية نعتمدها للخروج من العجز الكبير الذي تتخبط البلاد في حبائله منذ سنين اين نحن من البرامج والمشاريع الاستثمارية الضخمة التي تدفع الى تحقيق النمو والترفيع في نسق الصادرات والميزان التجاري اين نحن من تونس الغد التي طالما حلمنا بها لتكون درة المتوسط التي تجمع بين الاعتدال والتسامح والاقتصاد الذي يرتكز على اسس متينة تزيد في قدرته التنافسية وتكون حافزا للتطور؟ اين نحن من الفسفاط الذي تزيد المواقف المتضاربة في عرقلته يوما بعد يوم دون ادنى تفكير في مستقبل البلاد وحق الاجيال في المحافظة على مصدر الثروة الذي اصبح مصدرا للنهب والتعطيل وتصفية الحسابات الضيقة؟؟
مصر استطاعت بفضل استراتيجية وتخطيط استشرافي ان توسع رقعة اكتشافاتها الطاقية وان تدعم انتاجها من خلال توقيع عدة اتفاقيات في مجال البترول بلغت خلال العامين الماضيين، 56 اتفاقية بترولية باستثمارات تجاوزت 13 مليار دولار تمكنت من خلالها من حفر 254 بئراً على الأقل وفي تونس ماذا حدث في مجال الطاقة بعد اربع سنوات من الثورة كم اتفاقية تم توقيعها وكم رخصة اوقفت وكم بئر تم اكتشافه وكم مؤسسة اجنبية تسببت الاوضاع الاجتماعية والتجاذبات السياسية في خروجها وعزوفها عن السوق التونسية؟ وحتى المؤسسات الناشطة والتي حافظت على استثماراتها في تونس تعرضت الى العديد من الصعوبات والعرقلة والخسائر المالية بسبب الاعتصامات والاحتجاجات والابتزاز وسياسة لي الذراع يكفي ان نذكر في هذا الشأن
شركة "بتروفاك" لخدمات النفط والغاز البريطانية التي تكبدت خسائر مالية طائلة بسبب المشاكل الاجتماعية ويكفي ان نذكر ايضا بريتش قاز التي تدخلت لفائدتها السلط المعنية و اوقفت ما كان يهددها من اضرار ؟ والمشاكل التي واجهتها الشركة البترولية الهولندية Mazarine Energy Tunisia إثر إعلانها عن اكتشاف بئر نفط بمنطقة شوشة العتروس بمعتمدية دوز، كيف نستثمر والقرارات جامدة و الايادي مرتعشة لا تقرر وفق مصلحة البلاد بقدر ما تقرر وفق مصلحة الاحزاب الضيقة ومن سيتولى الزعامة؟؟
اين تونس من قرارات الثورية التي تقلب موازين الطاقة رأسا على عقب وتعيد بناء خارطة البلاد الاقتصادية وفق ما تستحق ان تكون عليه وبعيدا عن زخم التقسيم الفوضوي للخيرات والثروات الطبيعية التي ينادي الجميع بمعرفة مسارها دون نقطة النهاية ودون مساومات شعبوية لا تزيد البلاد الا غرقا في وحل الانتهازية وضياع السبل .
شركة ايني التي اكدت امس ان الاكتشاف الجديد سيشكل تحولا في "سيناريو الطاقة في مصر" وهو قادر على "تلبية احتياجاتها من الغاز الطبيعي لعقود"، هي نفسها التي تسببت بعد هذا الخبر في هبوط سهم شركتي ديليك دريلينغ وأفنر أويل التابعتين لشركة ديليك الاسرائيلية باكثر من 13 بالمائة في بداية التعاملات في بورصة تل أبيب، وهي ايضا الشركة التي قررت مغادرة تونس نهائيا وبيع حقولها الى شركة "كيف باك" KUFPEC الكويتية بعد ان كانت الشريك الاستراتيجي لتونس منذ سنة 1957 وتوفر قرابة 1500 موطن شغل نتيجة عدم الفصل
النهائي في طلبها تمديد رخص حقولها الاستكشافية ونتيجة الخسائر التي تكبدتها من جراء الاضطرابات الاجتماعية وتفاقم المطلبية النقابية هذه الشركة التي ادخلت التفاؤل على اقتصاد مصر ستغادر والى الابد بعد ان كانت اكبر منتج للبترول في تونس من خلال الحقول التابعة لها والتي توفر يوميا 35 الف برميل من جملة 56 الف برميل انتاج تونس الجملي، توجه 5 ألاف برميل لشركة التكرير ستير في حين تصدر البقية خاما، وهي تمتلك رخصة برج الخضراء شمال بنسبة 50 % مع شركة أو أم في OMV النمساوية بـ40 % وشركة MEDCO بنسبة
%10 وهذه الرخصة تضم حقول "شروق" و "وادي زار" و "ادم" و "حمودة" و "نوارة" والمعمورة بقربة وهي ايضا مشغل حقل البرمة اول حقل في تونس بالشراكة مع الدولة التونسية.
في الوقت الذي غيرت مصر سيناريو انتاجها الطاقي بأبطال جدد وبرامج جديدة ومخرجين اكفاء تتخبط تونس في شرك الشك والتهم المتبادلة وتنتظر أزمة طاقية قادمة على مهل تؤكدها كل المؤشرات وتؤججها حملات مسعورة بلا هدف ولا يسعنا الا ان نتساءل انت لقيت الغاز وانا وقتاش ؟؟