المثليين في تونس : بين سندان القانون و مطرقة المجتمع
2015.10.30 12:55
"قصص و يوميات المثليين العرب" عندما تواصلت معهم عبر شبكة التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" لم يترددوا في الاستجابة لاسئلتي التي توقعت ان تحرجهم ، "نعم نحن فخورين اننا مثليين و اقصى طموحاتنا ان نعيش في سلام و امن في تونس و ان ينقح الفصل 230 من المجلة الجزائية الذي يجرم اللواط و السحاق و يعاقب كل من يرتكبه 3 سنوات سجنا.
" هكذا اجابني احد المثليين المنتمي لهذه المجموعة "
ان المتأمل في الواقع التونسي و العارف بتركيبة المجتمع فيه، لا يمكن أن ينكر أن المثلية قديمة في تونس قدم التاريخ، فلا ريب أن فسيفساء
المتحف الوطني بباردو تحمل بين خباياها الكثير من قصص الحبّ و العشق بين المثليين في قرطاج، و المثلية اليوم في تونس تتخذ عدة أبعاد و زوايا سنحاول في مقالنا هذا أن نقف عند عدة محطات فنتبين نظرة المجتمع الى المثليين و طريقة تعامله معهم و نظرة المثليين لأنفسهم و طرق التواصل و التعامل بينهم.
مرض أم شذوذ... ؟
مجموعة من المختصين اعتبروا عقب أبحاث قاموا بها على عينات من المثليين والمثليات أن المثلية الجنسية هي "الانجذاب العاطفي والنفسي لنفس الجنس وهي ولئن كانت اضطرابا تطوريا فإنها ليست مرضا لان كلمة مرض توحي بان الإنسان كان سليما ثم اصيب بالمرض في حين أن المثلية تنمو في الإنسان حيث يؤثر عليه التكوين النفسي والعلاقات وأهمها الاهل ...وهو يختلف عن الشذوذ من حيث أن هذا المصطلح يطلق عامة على الاشخاص الذين يمارسون الجنس مع الحيوانات أو الموتى كما لا يدخل ضمنها من يمارس الجنس مع الأطفال لكنه يصنف في خانة المضطربين جنسيا" ...
المثلية الجنسية ليست طبيعة اي فطرة لدى الإنسان بل هي وليدة عدة عوامل أهمها العامل الوراثي وليس المقصود به تحديد الوراثة مثل لون العين والشعر وخلافه لكن المقصود به الاستعداد الوراثي مثل إدمان الخمر. هذا الاستعداد لو توفرت لديه الظروف المناسبة يصبح مثليا ولو لم تتوفر لديه الظروف لن يتعرض للمثلية كما انها يمكن أن تكون نتيجة خلل هرموني والمقصود الوسط الهرموني للرحم الذي يحيط بالجنين وتؤثر عليه كونه ذكرا او أنثى. في بعض الأحيان تصاب الام بخلل في إفراز الهرمون المناسب لنوع الجنين لأي سبب فيحيط بالذكر وسط هرموني أنثوي وليس ذكريا او العكس ولكن أيضا هذا العامل إذا لم تتوفر معه بقية العوامل التي تؤثر في الطفل ينمو بطريقة طبيعية جدا..
المثلية من منظار المجتمع التونسي :
لا يختلف عاقلان في أن المجتمع التونسي لطالما كرّس عقيدة التسامح مع الأقليات، فتونس هي البلد العربي الوحيد الذي يعيش فيه اليهود مع المسلمين دونما تفرقتهم في أحياء خاصة بهم بل يعيش اليهود التونسيون في جزيرة جربة جنبا الى جنب رفقة المسلمين و يتعاملون معهم من كل النواحي سواءً التجارية أو الاجتماعية، و الأمر لا يختلف كثيرا مع المثليين فهم و لئن مثلوا أقلية و نقصد هنا أولئك المثليين البارزين على الملآ فلا يمكن أن تجد حيا في تونس ليس فيه مثلي بارز و معروف عند الجميع و هو عادة ما يكون أنثويا في حركاته و سكناته و صوته و تصرفاته و عادة ما يعرف بلقب يوسم به للتندر و التفكه ك"علي دجيجة" و "سمير وهبي" و غيره، و الأمر نفسه للمثليات فالمرأة المثلية في تونس تسمّى "عيشة راجل" و قصة "عيشة راجل " قصة يحفظها كل التونسيون عن امرأة مسترجلة فاقت في الشجاعة الرجال و باتت كنية تكنى بها كل امرأة مسترجلة من وجهة نظر التونسيين أو كل مثلية.
و من هذا المنطلق فالمثلية في تونس تصور على أنهـا أشخاص يعانون خللا هرمونيا يجعلهم أكثر أنوثة أو أكثر رجولة و ينظر اليهم على أنهم ليسوا الا مدعاة للضحك و لعل واقع الإعلام قد كرس هذه النظرة للمثليين في تونس فالمثلية في الإعلام لا تطرق الّ كموضوع للضحك فأن تكون أحد شخصيات مسلسل مـا مثلية يعني أن تكون هذه الشخصية كوميدية بالدرجة الأولى فيقع تصوير المثلي على أنه شاب مائع مخنث يتحرك كالفتيات و يتكلم مثلهن و يتصرف كتصرفاتهن، يحب ارتداء الألوان الأنثوية و كل ما من شأنه أن يمنح صورة مشوهة عن المثلي لا تعمل الى معالجة الواقع المرير بل تقولب لهدف الإضحاك فقط و لعل شخصية "ميدو" في السلسلة الهزلية "شوفلي حل" خير دليل على هذا، فـ"ميدو" يجسد صورة مزيفة عن المثلي تقدمه للمجتمع على أنه شاب مدلّل ماجن، أنثى في شكل رجل.
الا أن هذا التصور للمثلي في تونس قد نمى بموازاة تصوّر أخر يذهب الى القول بأن المثليين ليسوا الا شرذمة من الكفار الملحدين المرضى عقليا و نفسيا الذين لا يستحقون الا النبذ و الإقصاء و بدل الإضحاك فإنهم يكونون مجالا للسب و القذف.
المثلية من منظار المثليين :
لعل أهم سمة يتميز بها المثلييون في تونس هي نسبة الوعي المرتفعة عندهم بخصوص الأمراض المنقولة جنسيا فتونس من أقل البلدان العربية التي ينتشر فيها مرض "السيدا" و ذلك لانفتاح الأشخاص فيها على طرق الحماية و الوقاية من هذه الأمراض و خاصة الواقي الذكري، أمّا في خصوص طرق التواصل بين المثليين فتبقى شبكات التواصل الإجتماعي أهم طريقة للتواصل بين المثليين فبعض صفحات التواصل يجتمع فيها أكثر من خمس عشرة ألف مثلي تونسي، الآ أن أهم مشكلة في تونس تتمثل في أن أغلبية المثليين يبحثون عن علاقة فراش فقط تدوم ليوم أو لبضعة أشهر و تنتهي، فقليلة هي تلك العلاقات التي تبنى على الحب و الصداقة بين المثليين في تونس، و للمثليين التونسيين أمــاكن معروفة يجتمعون فيها .
و يقول احد المثليين في صفحته على "الفايسبوك" و هي رسالة موجهة الى المجتمع التونسي يقول: استغرب في التونسيين كيف انهم يقبلون التعامل و الاعتراف باليهود و المسيح و لا يقبلون بمثلي مسلم ؟
و قد اصبح للمثليين التونسيين فضاءات للنشاط و للتعبير عن ارائهم و مواقفهم فقد تحصلت جمعية شمس للدفاع عن الاقليات الجنسية في ماي 2015 ، على تأشيرة قانونية تخول لها تنظيم تظاهرات و اجتماعات في اطار قانوني.
و في هذا الصدد اكد هادي الساحلي نائب رئيس جمعية "شمس" ، في تصريح لـ "ارابسك" ان المثليين في تونس تجدهم في كل "حومة" (حي) و لكن اكثرهم خائفون اما من نظرة المجتمع او من التهديدات اذ ان اغلب اعضاء الجمعية يتلقون يوميا تهديدات بالقتل سواء برسائل على هواتفهم او على صفحات "الفايسبوك" .
كما اكد هادي الساحلي انهم بصدد تدويل قضيتهم باعتبارهم منبوذين في تونس للوصول الى هدفهم و للحد من ظاهرة اللجوء السياسي الذي يطلبه يوميا المثليين في تونس و تمثل المانيا و فرنسا اهم دول الاستقطاب باعتبارهم من المدافعين على المثليين .
و تعمل الجمعية على التوعية من اخطار الامراض المنقولة جنسيا و الاحاطة بالاقليات الجنسية من النواحي المادية و المعنوية و النفسية ، اضافة الى العمل السلمي من اجل الغاء القوانين التمييزية ضد الاقليات الجنسية و الدفاع عن حق الانسان في العيش بكرامة مهما كانت ميولاته و اختلافاته
كما ان التحولات السياسية العميقة التي تلت الثورة ساهمت في بروز المدافعين عن المثلية الجنسية في تونس إلى العلنية للمطالبة بحقوقهم في الاعتراف القانوني, اذ قام شاب مثلي رفقة مجموعة من المثليين الآخرين بإصدار مجلة إلكترونية مثيرة للجدل بعنوان " Gayday " تعنى بقضايا المثليين جنسيا في تونس وغيرها من الدول العربية.. حيث وجد المثليون أنفسهم أحرارا إلى حد ما في التعبير عن أنفسهم بحرية ودون خوف من الرقابة، وقد أثارت مجلة " Gayday " الإلكترونية التي صدر أول أعدادها في السنة الماضية، انتباه العديد من التونسيين مما أخرج الجدال حول المثليين في تونس والدول العربية إلى واجهة النقاش العلني اعادة النظر في مفهوم الحرية الشخصية.
من هنا يمكن القول ان المثليين في تونس ليسوا شرذمة و قلة كما يتصوّر المجتمع بل هم فئة وقعت بين سندان القانون الذي يجرم المثلية و يعاقب على ارتكابها بالسجن و مطرقة المجتمع الذي يعتبرهم مجموعة من الشاذين و المنحرفين اخلاقيا..