آراء

شقوق في تونس

ان المفارقات العجيبة في تونس أن العالم يهزج جذلا باسمها ويهديها جائزة «نوبل» للسلام بفضل الحوار وتلاقي الفرقاء الذي استعصى على بقية دول «الربيع العربي»، في حين أن قيادات حزبها «الحاكم» تختار اليوم التحاور فيما بينها بواسطة الهراوات والقبضات والكلمات النابية!
حالة من خيبة الأمل والإحباط أصابت زهاء المليوني ناخب من الذين اختاروا قبل سنة من الآن حزب «نداء تونس»، فصدروه المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية والرئاسية تباعا ليجدونه اليوم على شفا الانشطار بسبب نزاعات حادة بين شقين يقود أحدهما حافظ قائد السبسي «الابن البيولوجي» لرئيس الدولة ومؤسس الحزب، فيما يواجهه على الشق الآخر بشراسة محسن مرزوق «الابن الروحي» لرئيس الدولة ومؤسس الحزب.. مواجهة بلغت أوجها في مدينة الحمامات الساحلية عندما تهشم باب الفندق الذي أوى اجتماع قيادة الحزب «الحاكم» وحين رصدت الكاميرات الحاضرة عصيا وهراوات تحاور من خلالها الطرفان على مرأى ومسمع من العالم الذي ما زال واقفا يصفق لـ «نوبل» للسلام!
أما أسباب النزاع فتتراوح بحسب موقع شارحها، بين ذاتية بنزعة زعاماتية، وبين موضوعية غطاؤها مصلحة الوطن، لكن الثابت والأكيد أن وراء الأكمة -مما لا يجرؤ أحد من الطرفين على ذكره- حرب خلافة الرئيس الباجي قائد السبسي ذي الـ85 سنة رغم أنه لم ينه سنته الأولى في قصر قرطاج، ورغم أنه يبدو يافعا وحكيما أكثر من «ولديه» على كل حال.
وإذا كان محسن مرزوق قد أحرز شهرة سياسية سريعة في تونس خلال السنوات الأربع الأخيرة، يرفدها تاريخ غير قصير في العمل الجمعياتي شرقا وغربا، فإن التونسيين لا يعلمون شيئا عن حافظ قائد السبسي أكثر من أنه أحد أنجال رئيس الدولة، وهي مرتبة ليست بالقليلة في مجتمع عاش واعتاش أغلب الفاعلين فيه على «بركة» البلاط والبطانة الرئاسية لستة عقود من الزمن، وهو يظهر اليوم مللا من عادته تلك، فيحاول تلمس عيشه الجديد ضمن منظومة مؤسسات الدولة والقانون، لكنه لا يدرك مرامه دائما؛ لأن الطبع يغلب التطبع، ولأن السياسة مطاطة وحمالة أوجه في البلاد «الناهضة»!
لا شك أن المشهد السياسي تغير بشدة في غفلة من الكثيرين في تونس، ومن ثمة فإن التبرم الذي يداهم السواد الأعظم اليوم مرده تعودهم على حياة الدعة والهدوء طيلة عقود من الزمان، وإذا بالضجيج الذي يرافق الديمقراطية والحرية المستجداتان يسقط على الرؤوس كصخر من عل ويصبح أمرا مزعجا بل محبطا، ناهيك من سماع التلاسن اليومي بين السياسيين ورؤية العنف السياسي بالعين المجردة على شاشات التلفزيون، وهي كلها عناصر لا تشجع العامة على مواصلة الاهتمام بالسياسة وبالسياسيين إلا من باب الفضول.
أما السياسيون فلا يملون ولا يكلون من قذف الناس ببضاعتهم رغم بوارها، ويجتهدون في إيجاد مسوغات معاركهم، ومنها مثلا وليس حصرا إقحام حركة «النهضة» في الصراع المحتدم في «نداء تونس» على قاعدة «من صاحب المصلحة في الجريمة؟».
قد يمتلك السؤال قدرا من الوجاهة، فتقسم «النهضة» بأغلظ الأيمان أنها بريئة من حريق خيمة «النداء» براءة الذئب من دم ابن يعقوب، باحثة عمن يصدقها في محيط يتسيد فيه الشك، وآخر وجوهه التكذيب وتكذيب التكذيب على الهواء مباشرة بين قائد أركان الجيوش الثلاثة السابق الجنرال رشيد عمار وأركان القيادة السياسية للرئيس الأسبق بن علي، حول حيثيات ما سبق وما لحق 14 جانفي 2011، فيزيد المشهد العام قتامة تشقها السخرية السوداء بأن على الدولة إنشاء المزيد من أضرحة الأولياء الصالحين في البلاد ليحموها من الإرهاب ومن رهن ملعب الكرة الأشهر لدى الصناديق المالية في الخارج، وأيضا من الشقين ومن كل الشقوق التي ظهرت في مركب تونس، صاحبة جائزة «نوبل» للسلام!

فيصل البعطوط