آراء

بعد فقدان النداء للأغلبية : تونس على أعتاب أزمة سياسية

 يمثَّل إعلان 32 نائبا من حزب "نداء تونس" استقالتهم من الكتلة البرلمانية ومن الحزب تطورا خطيرا في المشهد السياسي التونسي، خاصة وأنه يعني انتقال الأغلبية البرلمانية إلى حزب "النهضة" الإسلامي.

يوجد شبه إجماع من قِبل كافة المراقبين للمشهد الحالي في تونس، على أن ما حصل في حزب "نداء تونس"، أربك الوضع العام في البلاد وأثر على الأداء الحكومي، كما أنه جعل البلاد على أعتاب "أزمة سياسية" قد تكون تداعياتها خطيرة، خاصة في ظل تصاعد المخاطر الأمنية فـ"داعش" على بعد 70 كيلومترا، إضافة إلى دخول البلاد في حالة ركود اقتصادي غير مسبوقة.
بشأن أزمة "نداء تونس"، فهي في الواقع لم تكن مفاجئة، بالنظر الى المقدمات التي سبقتها، والتي تعود الى فترة ما قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، اذ برز تباين حول تشكيل القائمات ولمن ستسند رئاستها، وحصل "تشكيك" في مدي "أهلية" مرشح الحزب للرئاسيات، الباجي قائد السبسي، بل أن هناك من "رموز" الحزب من ساند مرشح اخر. هذا ينضاف اليها التركيبة الفسيفسائية للحزب، التي وان توحدت خلال فترة منافسة الترويكا بزعامة "النهضة"، فان عوراتها سرعان ما برزت للعيان بمجرد تحقيق الحزب لفوز انتخابي أهله لحكم البلاد.
بداية الأزمة، انفجرت مع رفض كل "القيادات" لمقترح الرئيس السبسي تعيين رئيس للحكومة من خارج الحزب، وان قبل المقترح على "مضض" فانه ترجم في الواقع، عبر عبر مساندة الحزب لحكومة الحبيب الصيد، والدعوة صراحة لاسقاطها بعد أن أهمل الصيد مطلب "القيادات" في "كوتا" من التعيينات، حينها تبين لهم أنهم يقودون حزب لا يحكم، وأن الحكم موزع بين قرطاج والقصبة دون المرور بالبحيرة، المقر المركزي الذي سكنه أمين عام ليس له "نفوذ" على الحكومة، وينازعه في صلاحيات الحزب رئيسه محمد الناصر ونائب الرئيس حافظ قائد السبسي. وهو وضع أزعج الأمين العام، وعطل مساره نحو المضي في تحقيق طموحاته، التي ربما خيل له أن المسك بالأمانة العامة طريق معبد لها.
في ظل هذا المناخ برز الصراع حول "زعامة" الحزب، وهو صراع يخفي صراع أكبر حول قرطاج والقصبة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال النظر اليه على أن صراع حول الرؤي والبرامج والتصورات أو حتى بناء حزب ديمقراطي، وهو ما يشترك فيه الطرفين "شق التوريث البيولويجي" (حافظ السبسي) و "شق التوريث السياسي" (الأمين العام للنداء). لكن اللافت والخطير، أنه تم نقل الصراع من داخل الحزب إلى البرلمان، في وضع سياسي يتسم بالهشاشة.
وهنا وفي خضم هذا الصراع الذي أخذ طابع شعاره "يا أنا يا أنت"، من خلال الانتقال من تبادل الاتهامات الى تبادل العنف المنظم عبر تشكيل ميليشيات، ومن خلال نشر الغسيل في المنابر الاعلامية بدون أدني تحفظ. كان من المتوقع أن يتم حسم المعركة في قبة باردو، اذ أن الكتلة البرلمانية هي أهم ما يملك الندائيون. سواء في علاقة بكسب موقع قدم في الحزب أو في الحكومة، باعتبار أن نظامنا "شبه برلماني". فكان أن انتقل الصراع الى قصر باردو، والذي انتهي باستقالة 32 نائبا من "الكتلة الأم" للحزب الأغلبي سابقا. وهو وضع من شأنه أن يدفع إلى حالة من عدم الاستقرار الحكومي، المضاف الى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد.
وان كان الى حد الأن الوضع الحكومي غير معني بما حصل في "نداء تونس" وفي كتلته البرلمانية، باعتبار تمسك المستقلين بدعمهم للحكومة، وعدم دعوة أي جهة لسحب الثقة من الحكومة، خاصة من الائتلاف الحزبي الرباعي المكون لها. لكن هذا الوضع الجديد، تغير الأغلبية البرلمانية، ستكون له تداعيات من ذلك أن "حركة النهضة" تعود الطرف القوي في النظام السياسي الحالي، لكنها في المقابل نجدها حذرة في التعامل مع الوضع الجديد، لأنها واعية جدا بالمخاطر التي تهدد الاستقرار والأمن القومي برمته، وهو ما برز في مواقف وتصريحات قيادة الحركة الأخيرة، هنا نذكر بتصريحات راشد الغنوشي بعد لقائه الأسبوع الفارط بالرئيس قائد السبسي وبرئيس الحكومة الحبيب الصيد، التي أكد فيها على التزام حزبه بالتوافقات مع السبسي، وعلى دعمه ومساندته لحكومة الصيد .
في هذا السياق، أكد لنا مصدر قيادي رفيع في "حركة النهضة" على أن الحركة منشغلة جدا بتفاعلات أزمة "نداء تونس" لأنها في علاقة عضوية باستقرار البلاد وبأمنها القومي، وأيضا بحماية تجربة الانتقال الديمقراطي، والتعايش بين كافة مكونات الساحة السياسية في تونس.
ذات المصدر أكد على أن "النهضة" لا تفكر في توظيف ما يجري في "نداء تونس" لصالحها، وأن المهم بالنسبة لها هو حماية الاستقرار عبر المحافظة على المؤسسات المنتخبة، وبالتالي طمأنة الرأي العام الى أن "الأزمة السياسية" سوف لن تربك الوضع العام في البلاد.
مع ذلك، يبقي ما حصل في "نداء تونس" يبعث على "الخوف" من أن تنزلق البلاد نحو "أزمة سياسية" ستربك الوضع، وهو ما نبه له القيادي في الحزب "الجمهوري" أحمد نجيب الشابي، من خلال رسالة مفتوحة وجهها للرئيس الباجي قائد السبسي، تطرق فيها إلى خطورة الأزمة داخل "نداء تونس" على الوضع في البلاد.
وقال الشابي، مخاطبا السبسي: "إلى هذه الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية انضاف في هذه الآونة تهديد سياسي في وجه الاستقرار يتمثل في أزمة حزب نداء تونس والتي تهدد إذا لم يقع تطويقها بشطب نتائج الانتخابات من حيث الدور المناط بمختلف الأحزاب في النظام السياسي الجديد وهو أمر يزيد من الضغوطات التي هزت الفريق الحكومي في الآونة الأخيرة والتي تمثلت في استقالة أحد الوزراء وإقالة آخر وتعرض ثالث لمساءلة تحت قبة البرلمان وانتقادات لاذعة في مختلف وسائل الاعلام، فضلا عن التململ الذي عبرت عنه الكتلة البرلمانية لأحد أحزاب الائتلاف الرباعي الحاكم. ."
 
منذر بالضيافي