تبحث هذه المقالة حول الجدليات المجتمعة في ثنايا التلاقح القائم بين الفن المقاوم والفكر السياسي، أين ستتزاوج المكتسبات النضالية بالفعل الفني في حيز عام مفتوح حاوي للأثر لصالح التعبير عن قضية مطلبية بطرح تشكيلي، يهدف الى الانتقال بصوت الرفض من الدوائر القصية، أو المقصاة، إلى تصدر تفاصيل الحيز المديني العام، في محاولة لتغيير تفاصيل الشارع من تفاصيل مكبوتة ومقموعة إلى نبض ثوري حي ينطق بلغة المقاومة النابعة من الذات الحرة والنفس التواقة المغرمة برفض وتجاوز لكل محضور وممنوع. مما سيجعل الأثر الفني بمثابة حالة بصرية مقتطعة من تواترات المقاومة اليومية، الموثقة والداعمة لها.
وان كنت في هذا المقال وفي نطاق القدر المخصص لي وكباحثة أكاديمية وفنانة تشكيلية سأتطرق الى هذه المسالة فان سعة الموضوع دقته وتشعبه قد فتحت أمامي أفقا فسيحا يدفعني إلى مزيد التساؤل عن خصوصيات هذا الأسلوب الفني الجديد بتطلعاته الفكرية والثقافية المستحدثة، تطلعات تتزاوج فيها المكتسبات الذهنية بالفعل الفني في حيز عام مفتوح حاوي للأثر الفني.
لعلها استيتيقا مختلفة في قوانينها وهياكلها وأدواتها التقنية عن الجماليات التشكيلية الكلاسيكية المقترنة أساسا بمعطيات ترتكز على هياكل محددة، مما سيجعلنا أمام قراءة بصرية لكيان فني مغاير يتطلب آليات تحليلية وتجريبية تواصلية وتفاعلية مختلفة، كيان فني متنصل من الحدود الصارمة، كاسرا نواميس الممنوع كمقاومة ماهو غالب ومقاومة المكروه والمعاد. فلكان البحث عن الجديد في حد ذاته شكل من اشكال المقاومة، فنحن نقاوم ضد طرف اخر نتعارض مع سلوكياته، تسلطه من اجل تأكيد الذات وتأكيد وجود الأنا الحر والفاعل. كرغبة في الوجود، الحياة والفعل، والالتزام التلقائي والمنظم بممكنات الأنا ومشروعيتها اللامحدودة. لترد في فن الشارع، كأبلغ وسيلة وأسرع وسيط تعبيري على خلفية تأثيره المباشر والبليغ على المتلقي، ولإمكانيات تداوله وتنقله بسرعة عبر مختلف شبكات التواصل. سيلعب من خلالها الحيز العام دوري مكان النشأة والموضوع، في أرقى وابلغ أشكاله التعبيرية، اصوات متعددة مقموعة تستجلي القيم والهويات المهمشة والمستبعدة الى العلن، بين المتاح واللامتاح، ما يمكن قوله وما لا يمكن التعبير عنه، حيث نتمثل معارضة علنية وجذرية سيصبح فيها الشارع مكانا للتفكير النقدي والتبادل الرمزي غير الخاضع للرقابة، تقطنه وتتنافس فيه العديد من الاصوات الثورية معيقا بذلك فكرة التقليدية للمكان المسكون سلبيا عبر إدخاله لعناصر اللامتوقع، ولاينبغي حينها ان يعتبر فن الشارع كمجرد اثر او شاهد على الصراع السياسي في تعريف الحيز العام وانما وجب اعتباره كجزء لا يتجزأ من ذلك الصراع. على خلفية ما سيشكله الحقل الرمزي كساحة لرفض القمع وكشكل من اشكال المعارضة العلنية الرافضة لكل نوع من انواع الامتثال والخضوع متجسدا بذلك في صورة خطاب معارض بديل للتعبير والمقاومة. لعلها بلاغة محاورة للفكر السياسي والفن المقاوم في اندماجية ثنائية متزامنة ضمن خطوط الوان اشكال رموز ومعطيات تتراوح بين الوضوح والغموض لترد مقروءة طورا ودغمائية طورا اخر.
يخطو فن الشارع خطوة هامة، مما سيسنح له رسم مسار وهوية فنية قائمة الذات ليسكن الجدران المتآكلة وتفاصيل البعض من الازقة المهجورة، حاملا شعارات وأفكار، توثيقية وتعبيرية نابعة عن تبعات الممارسة السياسية في الشارع، من تظاهر ووقفات احتجاجية وانتفاض واستغلال للفضاءات العامة لصالح التعبير عن قضية مطلبية، جعلت من حضور الاثر الفني، وأساليب عرضه في الشارع، يلامس دوراً أساسياً محتلا بذلك مكاناة لا يمكن تجاهلها وليصبح الشارع بذلك منصة للتعبير عن الرفض، بلا نخبوية ولا حملات دعائية وخارج الأطر الرسمية التقليدية، مذللا الحواجز الفاصلة بين الممكن المسموح والمحضور المرفوض وتجاوز مختلف اشكال وتمضهرات القمع في محاولة لتضميد جراح الجدران المتعبة والاصوات المكبوتة مما يمكن الانتقال بصوت الرفض السياسي من القاعات المغلقة الى تصدر تفاصيل المدينة، حتى ادقها واكثرها تهميشا داعيا من خلالها الفنان للمشاركة في فعاليات المقاومة بهدف رفع المعنويات وبث روح الصمود ونشر الوعي الوطني والدعوة الى تصعيد الوعي. وليصبح الفن بذلك فعلا يصوغ البنية التي تتعارض مع مواقف المحتل ومن قوقعة التخندق ضمن الحدود المفروضة والمكبلة والتجاوزات القمعية وكل ما سيثمره ذلك من تكبيل فكري وجسدي للأنفس كأداة تحرر واحتجاج.
عندما يحضر فن الشارع، بشكله الناقد وحتى بطريقة محدودة، فإن وجوده، وإن كان شاذا في بعض المناطق، يشيء بوجود ما هو مغاير للسائد المفروض، ويؤسس لنفي مقولة الصوت القمعي. معتبرين الفن وسيلة لتحدي النقائص والتعبير عن يقظتهم ورفضهم، وفق منطق التعبير عن الرأي وإقحام الرؤى الخاصة في الحيز العام، خارج جنبات السلطة وهذا ما نستشفه من خلال المراوحة بين ثقافة التغيير وفعل التثوير، هو منبر غير شرعي تنطلق منه شتى مفردات الاختلاف والتمرد بمعناها الأكثر انفتاحا على الاحتمالات لينصهر السياسي بالفني مشكلين بنيانا بصريا استفزازيا تجعل منه فنا يحمل بعدا مقاوما ووسيلة اعلامية اثبتت فعاليتها على المستوى المحلي والعالمي.
مها الكشو بن عمر : فنانة تشكيلية وباحثة أكاديمية سنة ثالثة دكتوراه علوم وتقنيات الفنون- تونس 2017
مهنياً: يتحدث هذا اليوم عن أوضاع مهنية متينة وممتازة، وما بدأت به قابل للاستمرار والتطوّر إذا واظبت عليه بجدك ونشاطك المعهودين
عاطفياً: غيمة سوداء قد تؤثر في علاقتك بالحبيب لكن سرعان ما تعود الأمور إلى طبيعتها وأفضل مما كانت سابقاً
صحياً: إذا رغبت في تحسين وضعك الصحي، عليك أن تبذل جهداً أكبر في المستقبل القريب لتقطف ثمار ذلك لاحقاً