المجتمع

الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تتوجه رسالة شديدة اللهجة للمشيشي

 في الذكرى الرابعة والستين لإصدار مجلة الأحوال الشخصية: لقاء مفترض بين الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والسيد هشام المشيشي

السید ھشام المشیشي المكلف بتشكیل الحكومة،
وأنتم تستقبلون الوفود تلو الأخرى لتشكیل حكومتكم ووضع خطوط عریضة لبرنامجھا نلاحظ انكم كسابقیكم لم تستمعوا إلا إلى صوت نسائي واحد مع أن الثورة قطعت مع الحزب الواحد والفكر والواحد والتنظیم الواحد.
نحن مناضلات الجمعیة التونسیة للنساء الدیمقراطیات، الفخورات على الدوام بتأسیسنا للحركة النسویة في بلادنا منذ ما یزید عن ثلاثین سنة: حركة دیمقراطیة، تعددیة، مستقلة. وقد كانت جمعیتنا بفضل نضاليتها، ووضوح مقاربتها، والتصاقها بمعاناة النساء عصیّة عن التدجین وستظل منادیة بكل الحقوق دون تمییز، وبالمساواة التامة والفعلیة، والمواطنة الكاملة للنساء دون إقصاء. ولم تثنينا عن رفع مطالبنا تقلبات المراحل الانتقالیة التي مرت بھا البلاد أو محاولات إسكات وتكمیم مناضلات الجمعیة وتھدیدھن وإلصاق أبشع النعوت بھن. نذكربما ساھمنا في تحقیقه للتونسیات: دسترة مبدأ المساواة والتناصف، ورفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمییز ضد النساء، والمصادقة على القانون الأساسي للقضاء على العنف ضد المرأة، وإقرار ضرورة تأسیس میزانیة الدولة على المساواة بین الجنسین وبین الفئات والجھات.
على وقع إحياء الذكرى الرابعة والستین للمصادقة على مجلة الأحوال الشخصیة، نفترض أنكم دعوتمونا كي تستمعوا إلى تصورنا حول أولویات المرحلة القادمة ولنذكركم أنه لا تشكیل لحكومات ولا جدیة لبرامج أو مخططات إذا لم تضع قضایا النساء وحقوقھن ضمن أولویاتھا.
ونفترض أنكم سألتمونا عن النواقص والعلاّت التي نراھا موجبة للإصلاح فإن الجمعیة التونسیة للنساء الدیمقراطیات تجد أن بلادنا:
- تعرف توترات وتھدیدات بعدم الاستقرار بسبب الصراع بین الأطراف السیاسیة والذي بات ینبئ بمؤشرات خطیرة تھدد ركائز الدولة وتقوض كل المكتسبات وتؤخر تجسید استحقاقات الثورة والدستور.
 - تعيش أزمة اقتصادیة واجتماعیة عمّقتھا جائحة الكورونا لكن الحكومات المتعاقبة واصلت اعتماد منوال تنموي إقصائي ومفقّر للنساء وللجھات ومعمّق للتبعیة الكاملة لمراكز النفوذ المالي الخارجي ولدوائر الاحتكار والفساد.
-  تشهد ردّة غریبة متجلیة في الصمت على كل الانتھاكات والتھدیدات التي تحفّ بحقوق النساء وحقوق الإنسان ومنھا تزاید العنف المسلّط علیھن وانتشار الإفلات من العقاب وتنامي ظاھرة تزویج القاصرات باستعمال ثغرات مجلة الأحوال الشخصیة والعودة باسم اللامركزیة إلى التمییز في اختیار القرین وغیرھا من التجاوزات التي تفتح باب التراجعات عن مسار وضمانات دستور 2014.
 -  تعرف تواصل العمل بالقوانین التمییزیة التي تشق مختلف المجلات وخاصة منھا مجلة الأحوال الشخصیة والمجلة الجزائیة ومجلة الشغل ومجلة الجنسیة وھو ما یتعارض مع مقتضیات الدستور التونسي ویناقض التزامات تونس الدولیة. إن ھذه القوانین التي تقصي وتستبعد النساء من التمتع بحقوق متساویة توفٍّر الإطار الأمثل لتواصل العنف واستفحاله.
- تواصل تغییب النساء في مواقع القرار رغم إقرار التناصف صلب القوانین الانتخابیة المتتالیة بعد الثورة ودسترة ھذه الآلیة.
 السید ھشام المشیشي المكلف بتشكیل الحكومة،
نفترض أنكم تستقبلوننا ككل الوفود وتسألوننا عن تصوراتنا، نجیبكم أن معركة المساواة التامة والفعلیة ملحّةٌ أكثر من أي وقت مضى ونحن في الجمعیة التونسیة للنساء الدیمقراطیات ،
-  رافضات للمنظومة السیاسیة القائمة على المحاصصة الحزبیة وإقصاء النساء من مواقع القرار، نطالبكم بتفعیل مبدأ التناصف في التشكیل الحكومي وفي كل دوائر القرار وصلب المؤسسات الدستوریة. كما ندعوكم بشكل عام لتجمیع التونسیات والتونسیین حول خارطة طریق تقطع مع الزبونیة السیاسیة وترذیل الحیاة العامة وتحدّد أھدافا مشتركة من أجل القضاء على الفساد وتجسید استحقاقات الثورة. 
- متمسّكات بالمساواة التامة في كل الحقوق والحریات نطالب بإعادة الاعتبار للدولة المدنیة التي یخضع فیھا القانون للتفاوض السیاسي والاجتماعي لتخلیص النساء من تقدیس التمییز باسم الھویة والشریعة وتجزئة حقوقھن الكونیة وعلیه ندعوكم إلى المبادرة إلى مراجعة مجلة الأحوال الشخصیة لملاءمتھا مع الدستور والالتزامات الدولیة لتونس في مجال حقوق الإنسان والنساء وخاصة مع الاتفاقیة الدولیة لمناھضة كافة أشكال التمییز ضد المرأة وذلك بإلغاء المھر وجعل رئاسة العائلة مشتركة للزوجین وإلغاء التمییز على أساس الدین في النسب واللقب والحضانة والولایة والإرث ونحثكم على الاستئناس بتقریر لجنة الحریات الفردیة والمساواة الذي قدم مسحا شبه كامل لكل أوجه التمییز في القوانین وعرض مقترحات ھامة لمراجعتھا.
وللقضاء على أخطر العراقيل أمام المساواة نستعجلكم في ضرورة تفعیل القانون عدد58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة وذلك عبر سیاسة جزائیة تعتبر حمایة ضحایا العنف والقضاء على الإفلات من العقاب في الاعتداءات الجسدیة والمعنویة والجنسیة والاقتصادیة والسیاسیة التي تستھدف النساء في الفضاءین العام والخاص إحدى أولویاتھا الملحة كتخصیص المیزانیات الواضحة والكافیة للتعھد العمومي بالنساء ضحایا العنف ومرافقتھن الشاملة ومتعددة القطاعات لاسترداد حقوقھن.
-  مناضلات ضد المنظومة الأبویة والھیمنة الذكوریة التي تستمّد قوّتها كذلك من المنظومة الاقتصادية الرأسمالية ومن التذيُّل للمؤسسات المانحة بما يزيد من فقر النساء نطالب بتفعیل المیزانیة القائمة على المساواة بین الجنسین والجھات والفئات بما یضمن وصول النساء إلى المرافق الحیاتیة الأساسیة بما فیھا الماء والصحة الإنجابیة والتعلیم ویسھّل اندماجھن في الدورة الاقتصادیة ویكفل لھن الوصول للقروض والعمل اللائق والاستثمار. وندعوكم إلى إعادة الاعتبار للدور الاجتماعي للدولة وتركیز مواردھا على الصحة والتعلیم والسكن والتشغیل، ومحاربة التھرب الضریبي والتھریب وتنظیم القطاع غیر المھیكل والذي تمثل النساء المتضررات الأكبر من توسّعه. كما نطالب بالتصدي للانتھاكات الیومیة وللاستغلال الاقتصادي الذي تعاني منه النساء في عدید القطاعات وندعوكم إلى اتخاذ إجراءات وإحداث مؤسسات رقابیة فعّالة لضمان كرامة النساء العاملات وحمایة حرمتھن الجسدیة والمعنویة في فضاء العمل بدءا بالنقل الآمن وصولا إلى الأجر الكریم والمتساوي.
- طامحات إلى تحرير أجساد النساء من أغلال الدولة والمجتمع عبر الرقابة المفروضة على جنسانية النساء والتحكم في اختياراتهن نطالب بتعمیم التربیة الجنسیة في كافة مؤسسات ومراحل التعلیم ونشر ثقافة الحقوق الجنسیة كجزء لا یتجزأ من حقوق الإنسان كما ندعوكم إلى ضمان حق النساء في التصرف في أجسادھن وحریة الاختیار فیما یتعلق بالإنجاب من عدمه والتوفیر اللازم لوسائل منع الحمل والخدمات الصحیة مركزیا وجھویا ومحلیا بصرف النظر عن الحالة المدنیة. ونشجعكم على المبادرة بقوانین وبرامج تمكن من الاعتراف بجمیع أشكال الاقتران القائمة على الرضا الحر والمستنیر سواء قامت على الزواج أو دونه وتمتیع النساء بذات الحقوق أیا كانت وضعیتھن المدنیة كمراجعة النصوص التي تشيئ أجساد النساء وتختزلھن في "الواجب الجنسي والإنجابي" ومنھا الفصل 13 من مجلة الأحوال الشخصیة الذي یبرر بشكل مقنّع الاغتصاب الزوجي وإلغاء كافة الموانع القانونیة التي تحول دون حریة التصرف في الجسد وتنكر وتقمع الھویّة والمیل الجنسي وأھمھا الفصل 230 من المجلة الجزائیة.
في ختام لقائنا المفترض، نشكر حفاوتكم وخروجكم عن "الفيتو" الذي فرضته القوى الرجعية في التعامل مع الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وحسن انتباھكم لمطالبنا وما يُفترض فيكم من  تحمّل لمسؤوليتكم التاريخية تجاه التونسيات للمضي في تدعیم ركائز المساواة والقضاء على التمییز والتفقیر وندعوكم لمواصلة نھج الحوار في ھذا الاتجاه وسنظل نمارس الیقظة المواطنیة والضغط على السلطات من أجل تونس المساواة والحریات والعدالة والكرامة الإنسانية.