لا يغيب التفكير والتفلسف عن أيام قرطاج السينمائية على اعتبار أنها فضاء للجمالي وأيضا هي مناسبة لطرح الاسئلة الحارقة المتعلقة بصناعة السينما ومستقبلها في ظل الإنفجار الاتصالي والرقمي الذي تعيشه الانسانية ضمن نسق أقل ما يقال عنه انه سريع وحثيث... وضمن هذا الاطار انتظم يوم 1 نوفمبر 2021 بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة تونس فوروم حول مستقبل السينما في ظل تزايد المنصات الرقمية العالمية التي تروج للسينما وتحضر كبديل للطرق الكلاسيكية في الاشهار والترويج والتوزيع...
وحضر الفوروم عدد لابأس به من المختصين والنقاد والفاعلين السينمائيين من مختلف الاختصاصات .
وكان الخبير الفرنسي " فرنسوا جوست " المدرس بجامعة السربون ومؤسس مركز الدراسات حول الصورة قد أكد من خلال مداخلته في هذا الفوروم أن السينما كفعل ثقافي إنساني تعرضت منذ وجودها الذي جاوز القرن من الزمن الى منافسات شرسة لعل أهمها التي حصلت مع سطوة التلفزيون ، مشيرا أن ما يحدث اليوم للسينما مع وجود المنصات الرقمية التي تستغل بحار الانترنات ليس بغريب بل هو متوقع وعلى السينمائيين أن يستغلوا هذا الامر لصالحهم وأن يتحولوا الى ضفة الرقمنة والمستجدات في مستوى تطبيقات البودكاست وبث الستريمنغ... معتبرا ذلك فرصة ثمينة من أجل كسر صلابة الاساليب المتقادمة من ناحية الانتاج والتوزيع وشجع الخبير الفرنسي صناع السينما وخصوصا الشباب منهم الالتحاق بهذا الركب .
ومن جهته دافع المنتج والموزع السينمائي اللبناني الصادق أنور الصباح عن فكرة المنصات معتبرا إياها تحقق غابات ترويجية لم تكن لتتحصل عليها السينما بالوسائل الكلاسيكية ، مشيرا أن الوطن العربي يحتاج هذه المنصات الآن وهنا خاصة مع غياب القاعات السينمائية في بعض المجتمعات العربية...
أما الاستاذ الجامعي والمخرج السينمائي التونسي حمادي بوعبيد والذي أدار الحوار داخل الفوروم فقد اعتبر أن للمنصات الرقمية السينمائية جمهور خاص يختلف عن جمهور القاعات وكلاهما يدافع عن وجهة نظره وكلاهما صحيح...
صاحب القاعات والموزع السينمائي التونسي الاسعد القوبنطيني لا يرى في المنصات التي توزع السينما عبر الانترنات خطرا حقيقيا إذ ما توفر الاطار القانوني و الاخلاقي واقترح أن يتم الاتفاق على بث الافلام بداية في القاعات ثم في التلفزيون والنهاية تكون عبر المنصات المذكورة...
الاستاذ سيد فؤاد مدير مهرجان الاقصر السينمائي المصري دافع هو الآخر عن فكرة وجود منصات لعرض الافلام السينمائية عبر شبكة الانترنات ويرى في ذلك فائدة قصوى في مستوى وصول العمل الفني السينمائي الى البيوت والى الارياف بالمجتمعات التي لا تملك بنية تحتية ووسائل توزيع خاصة بالسينما...
صاحب المنصة التونسية " آر تيف " الاستاذ يحى مقراش قدم خلال الفوروم مشروعه معتبرا اياه كنموذج اقتصادي مستجد في تونس وهو منخرط في عملية اسهام في ترويج السينما التونسية وقدم بعض الارقام الاحصائية عن نسب المشاهدة لديه ويرى انه محترمة ، وذكر أن الشريط التونسي " في عيني " للمخرج نجيب بلقاضي" شوهد عبر منصته من قبل تسعة آلاف متلقي... وختم صاحب " آر تيف " تدخله بأنه يحلم بأن تصبح منصته مغاربية معتبرا أن مثل هذه المنصات هي المستقبل لكنها لن تقتل القاعات.
وضمن تدخل ختامي للفوروم أوضح الناقد والاستاذ الجامعي كمال بن وناس المدير الفني لأيام قرطاج السينمائية أن الاولوية المطلقة تبقى دوما للفعل السينمائي صناعة وثقافة وفكرا وذوقا... والانبراء للدفاع عن ذلك خصوصا في بلدان الجنوب التي لازالت تطرح قضاياها عبر السينما والصورة ، وأضاف الناقد كمال بن وناس أن مسائل الانتاج والتوزيع بالطرق الكلاسيكية أو بالطرق المستحدثة عبر المنصات يُتدبّر أمرها بوضع القوانين والاستراتيجيات الضامنة لحقوق الجميع...
الفوروم كان فرصة لطرح قضية المنصات في علاقتها بالطرق القديمة في الانتاج والتوزيع السينمائي والتي تفرعت عنها عدة أسئلة لعل أبرزها هو : أي استفادة قد تحصل لجميع المتقاطعين مع هذه العملية ؟