تطرح السينما العديد من المسائل الشائكة و التساؤلات داخل انفسنا و احيانا تعكس صورة او حالة عشناها في الماضي او نعيشها في حاضرنا ..
فليم "شيخ جاكسون'' للمخرج عمرو سلامة و سيناريو من كتابته و بمشاركة عمر خالد الذي تم عرضه امس الاثنين في اطار مسابقة الأفلام الروائية الطويلة ضمن الدورة 28 من ايام قرطاج السينمائية ،يطرح افكار و قضايا عديدة يمر بها العديد من الشبان في العالم العربي خاصة الذين شهدت بلدانهم تغييرات على مستوى السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي التي تتمحور اساسا حول التناقض التي تحملها النفس بين مفهوم الديني الخاطئ الذي يصل احيانا الى التطرف و بين حب الفن و الابداع.
الشرارة الاساسية لانطلاق احداث الفيلم هي وفاة مايكل جاكسون الفنان الذي تأثر به البطل احمد الفيشاوي في طفولته و خلال ايام مراهقته و لشدة تأثير هذا الحدث في حياة البطل الذي يظهر طيلة الفيلم كإمام متشدد ينام تحت السرير ليتذكر الموت و يسجل اشرطة عذاب القبر بصوته ، تصطدم سيارته بأحد الاعمدة .
و من هنا تنطلق الذكريات التي يعود بها البطل الى طفولته عند تعرفه لأول مرة جاكسون من خلال شاشة التلفاز عندما سأل والده (ماجد الكدواني) ليجيبه بأنه فنان "مخنث" الا ان الاجابة لم تشبع فضول طفل ليتجه الى والدته (درة) التي تمثل الرأي الاخر المتحرر لتجيبه بأنه فنان و موسيقي مشهور و انها معجبة بفنه.
و ينتقل بنا الفيلم الى مرحلة المراهقة التي لعب دورها الممثل احمد مالك الذي اتقن الدور و اضاف له ، لنرى مراهق ينطلق في مرحلة التعرف على نفسه التي يواجهها الاب ماجد الكدواني بقسوة و تقزيم للابن المراهق مما يخلق نوع من الصراع بين الاب الشهواني يقيم علاقات جنسية امام ابنه و يحاول دفع ابنه الى ان يصبح بطلا رياضيا و يمارس عليه السيطرة الابوية و الابن الذي بدأ اكتشاف نفسه .
الدور النسائي كان محدودا على الرغم من تأثير الام ووفاتها التي لعبت دورها الممثلة التونسية درة زروق على حياة الابن و الفتاة التي احبها في مراهقته و التي كانت من اخرج جاكسون القابع في داخله من اجل لفت انتباهها نظرا لكونها تحب الموسيقى و تحرص على حضور كل الحفلات الموسيقية...
دور الاب السلطوي يبدو ان صناع الفيلم اختاروه كسبب لتحول مراهق محب للحياة و منطلق و متأثر بأسطورة موسيقية تمثل التحرر و الاختلاف بالنسبة لجيل الثمانينات و التسعينات الى امام جامع متشدد يرتدي جهاز مهمته تسجيل الحسنات و السيئات و يسجل اشرطة عذاب القبر و يحرص على وضع صورة "الثعبان الاقرع" على شرائطه لم يكن سببا مقنعا لهذا التحول الكبير في حياة البطل.
و في مرواحة بين الفلاش الباك و حاضر الشيخ المكلوم بسبب عدم تمكنه من البكاء خلال الصلاة و احساسه بضعف ايمانه ، يتضح للشيخ الذي يضل اسمه مجهولا انه عليه العودة الى الماضي عله يجد سببا للتخبط و التشتت الذي يعيشه من خلال مقابلته لحبيبته مراهقته الى لقائه مع ابيه بعد مقاطعة 15 سنة.
في نقطة مضيئة اراد ان يضفيها صناع هذا العمل السينمائي و للخروج من الضياع و السوداوية التي غلبت على الفيلم سواء من خلال الانفعالات او الالوان ،بدأ البطل يتحسس في طريقه الى حل ليس مثالي اول لم يكن يتوقعه في بداية ازمته الا انه حل اكثر واقعية بعد محاولته العديدة في كبت نفسه و قمعها و محاولته لازالة الماضي و نسيانه او محوه في بعض الاحيان ، او لنقل بدأ يكتشف ذاته و رغباته القديمة التي دفنها بتشدده من خلال قبول تناقضه بمحافظته على هيئة الشيخ "خالد" و احتفاظه بذكرياته التي تتمثل في السلسال الذهبي لوالدته و جهاز الموسيقى الذي كان يحمل اغاني مايكل جاكسون ليغوص وجدانيا في تنفيذ رقصات جاكسون.
"شيخ جاكسون" احتوى على صدق كبير و مغلف ببساطة في طرح قضية شائكة تهم اجيالا بـأكملها الامر الذي يجعلنا تتغاضى عن بعض النقائص و الشوائب التي رافقته.
لا شك ان هذا الفيلم سيمثل تحول في مسيرة المخرج عمرو سلامة و اضافة قيمة الى السينما المصرية التي شهدت انحدرا خلال السنوات الاخيرة بسبب الافلام التجارية .
احلام شرميطي