ثقافة و فن

اصطياد الاشباح .. محاكاة لدواخل اسرى السجون الاسرائيلية

بلغة سينمائية مختلفة و غير معهود و بسرد سينمائي يجمع بين الوثائقي و الروائي يقدم فيلم"اصطياد الاشباح" للمخرج الفلسطيني رائد انضوني حالة متنوعة من الانفعالات من فرح و غضب و حب و حزن للافراج عن الكبت و المشاعر الساكنة في لاوعي عدد من الاسرى السابقين في المعتقلات الاسرائيلية و يسلط الضوء على قضية انسانية عادلة يغض عليها المجتمع الدولي و العربي البصر.
الفيلم تعاون مع سجناء عانوا الاسر سابقا في سجن المسكوبية في القدس لمحاكاة معاناتهم القاسية و ظروف اعتقالهم الغير انسانية و التشوهات النفسية التي خلفتها تجربة الاسر و محاولاتهم للتعايش من جديد مع حاضرهم لتجاوز محنتهم من خلال الحديث عنها و طرح المشاعر المخزنة في اللاوعي و طرد اشباح التجربة المريرة التي عايشوها لفترة من الزمن.
الفيلم ينطلق من اعلان في احد الصحف برام الله يطلب سجناء سابقين لتمثيل فيلم و يجذب عددا منهم ليبدأوا في مشروعهم مع مخرج العمل رائد انضوني من خلال بناء سجن يحتوي على زنزانات و ادوات تعذيب و غرف حبس انفرادي لا تتجاوز مساحتها المترين.
"اصطياد الاشباح" يزخر بمشاهد انهيار و دموع و احيانا سخرية سوداء و محاولات لإخراج الفرح من اي تفصيلة من تفصيلات حياة الاسرى ، و يقول المخرج انه اراد بهذه التجربة ان يطرد شبح السجن و عذاباته من الم و انتهاك من دواخلهم و من داخله هو ايضا الذي عاش تجربة الاعتقال عندما كان في سن الثامنة عشرة في نفس مركز الاعتقال المذكور.
فيلم "اصطياد الاشباح" المتوج بجائزة افضل فيلم وثائقي في الدورة 67 لمهرجان برلين السينمائي  بالاضافة لجائزة الجمهور تم عرضه امس الثلاثاء ضمن مسابقة الافلام الوثائقية في اطار فعاليات الدورة الثامنة و العشرون من ايام قرطاج السينمائية ، فكان لنا لقاء خاطف مع مخرجه رائد انضوني لتوضيح بعض النقاط المتعلقة بالفيلم و الحديث عنه..
ما علاقة اسم الفيلم بمضمونه و محتواه ؟
اِستخدمت عنوانا للفيلم كدليل توجه بحثي لأنني أعرف منذ البداية الطريق الذي أنتهجه ، فمضمون الفيلم ليس عن أساليب التحقيق الإسرائيلية مع المعتقلين السياسيين الفلسطينيين إنما هو بحث في الخبايا المترسبة في دواخل السجناء من الناحية النفسية حتى بعد خروجهم من المعتقل و مرجعية ذلك أنّ نسبة المعتقلين من سنة 1967 إلى حد اللحظة بلغ 20 بالمائة من الشعب الفلسطيني أي حوالي 800 ألف أسير و على ذلك فإن الفيلم يتناول أساسا طبيعتنا البسيكولوجية و ما فيها من أثر و الذي يشكّل حسب تصوري فكرة الشّبح الذي يعيش فينا بتقلباته و اِضطراباته حيث أنه في غضون لحظة فارقة يتحول الوضع من شخص حرّ خارج الأسوار إلى شخص سجين بين الجدران و من ثم حقيقة الخروج من السجن ليس حقيقة متكاملة إذ أنّ السجن يظل قابعا فيك مثلما قبعتَ فيه و قِس على ذلك أي مأساة أو معاناة أو دراما أخرى يعيشها الإنسان مما جعلني أختار " اصطياد الأشباح " عنوانا للفيلم   .
أين موقع هذا الفيلم من السينما الفلسطينية شكلا و مضمونا و إلى أي مدى يمكن أن يمثل اضافة إلى الساحة  ؟
حسب اعتقادي ، لاقى الفيلم نجاحا ملفتا على الصعيد العالمي و هذا الأمر يُحسب للفيلم ، أمّا فنيا إنّ العمل الذي قدّمته مزج بين التسلسل الدرامي و الوثائقي أو التوثيقي لينتج صورة جامعة بينهما و هذا المزج في حد ذاته يُعتبر إضافة ليس إلى السينما الفلسطينية فحسب إنما كذلك للسينما العالمية ، و من ناحية أخرى يسعدني طبعا نجاح الفيلم مما يعني نجاحي أنا شخصيا لكن ما يسعدني أكثر هو مدى قدرة الفيلم و لو بشكل بسيط على تسليط الضوء على القضية الفلسطينية و إبلاغه للرسالة المُضمنة في وقت صارت فيه القضية مهمشة لدى المجتمع العربي و الدولي و كأننا نعيش إنكارا مسلّطا علينا و تجافيا لفكرة أننا يوميا نُعتقل بالعشرات و بالمئات ففي هذا الصدد انتويت من صناعة الفيلم أن يعيد الإعتبار للقضية الفلسطينية أو يساهم في ذلك . مثلما توجد في السينما الفلسطينية عدة أفلام تُعنى بقضايا الأسرى على غرار فيلم " 3000 ليلة " لمخرجته مَيْ المصري لكن الفيلم الخاص بي أعتبره تجربة معاصرة يركّز أكثر مثلما أسلفت على الجانب النفسي من عنف كامن و غضب مخزون و توتر مشحون و كلّ ما ترسّخ فينا و مسبباته ليجيب عن سؤال " مَن نحن اليومَ ؟ " . عموما ، إنّ الفنّ مرآة للروح فلا تفي الحكاية أو الموضوع بالغرض حتى ينجح الفيلم إنما يطلب الأمر تعاضد كل العناصر .
ما سر تأثرك البادي على ملمحك و الذي يُستشفّ من ما ترويه عيناك عند نهاية عرض الفيلم اليوم ؟
 حقيقة اِشتقت لأهلي و أصدقائي حيث أن لي مدةَ عدةِ أشهر أطوف بين المهرجانات و أطلت الغياب عن فلسطين التي تحتضن الأيام المقبلة مهرجانا هي الأخرى لعرض الأفلام فشعرت بأنني في حاجة إلى عيش تجارب أخرى و مشاهدتي للفيلم في تونس مع جمهور عربي كفيلة بتحقيق هذا الإحتياج
اكتشفنا قدراتك كممثل في الفيلم ، فهل يمكننا اعتبار ذلك حجر أساس لأن تلج إلى عالم التمثيل ؟
لا أظن ذلك ، فدوري في الفيلم هو دور تقني بالأساس أمرر من خلاله إحساسي الواقعي بقضيتي و إيديولوجيتي الحقيقية في ظل ظروف تصوير الفيلم العصيبة من مشاهد السجن و كأنني جسدت دور بوابة تفتح على تصوري الخاص.

 اقتداء بتجربتك في الاستعانة بأشخاص عاديين للمشاركة في الفيلم هل من الممكن القول بأن كل شخص يحمل ممثلا بين طياته ؟
للإجابة عن السؤال ، يجب أن نفهم أن التمثيل ، و أعني هنا التمثيل الباطني و الحسّي و ليس التقني الحِرفي هو تمثيل حقيقي . الممثل الجيد هو من يقدر على عيش حالة حسيّة بشكل عميق و يعبر عنها بتلقائية و هو يلعب دور الشخصية الموكلة إليه من خلال إحاطته التامة بها و على ذلك فإن الممثلين و لو كانوا جددا هم أساسا يعيشون تجربة الفيلم بشكل يومي و سنحت لهم الظروف للتعبير عن دواخلهم مما ساهم في عظمة أداءهم رغم أن لا أحد منهم له تجربة سابقة في مجال التمثيل
لو تعدّد لنا مسيرتك في أيام قرطاج السينمائية و علاقتك بتونس ؟
كنت ضمن لجنة التحكيم قبل سنتين و فزت بالتانيت الذهبي سنة 2010 عن فيلم " الصداع " , ما يعجبني في مهرجان قرطاج السينمائي هو أنه مهرجان جمهور و لذلك يهمني دائما مواكبة فعاليات مهرجان قرطاج .
هل ستنحصر تجربتك في هذا النوع من الأفلام المازجة بين الدرامي و الوثائقي ؟
إن المحرك الذي يدفعني لصناعة الأفلام هو رضائي الذاتي عن نفسي و طبيعة تصوري في كل مرة و على ذلك تختلف تجاربي السابقة و اللاحقة على مستوى تصنيفها بين الواقعي و الدرامي و الوثائقي و غيرهم ثم إنه لا يهم تصنيف الفيلم بقدر ما يهم رضائي عنه   
هل تستعد لإنتاج مشاريع قادمة حاليا ؟
في الوقت الحالي ليست لدي مشاريع أخرى غير أنني أزور بفيلمي دول العالم على إثر فوزه بجائزة في برلين مما لم يتح لي ظروفا مناسبة للإنكباب على التحضير لعمل جديد .

 

احلام شرميطي