اقتصاد

تراجع الدخل الفردي للمواطن التونسي بـ30 بالمائة

 عشر سنوات مرت منذ اندلاع الثورة في تونس، تدهور خلالها الاقتصاد الوطني وطالت تداعيات هذا الوضع كافة القطاعات دون استثناء، هذا ما أكده الخبير الاقتصادي والرئيس المدير العام لمجموعة « كومات اينجنيرينغ » راضي المؤدب، في تحليل، خص به وكالة تونس افريقيا للأنباء، لتطور الوضع الاقتصادي منذ 2011 إلى غاية اليوم.

كيف تقيّم تطور النمو في تونس خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2021 ؟
راضي المؤدب: شهدت تونس قبل سنة 2011 نموا ضعيفا لم يسمح بإحداث مواطن شغل جديدة وقيمة مضافة. وكانت نسبة النمو قد استقرت لفترة طويلة سابقا في حدود 4 و5ر4 بالمائة سنويا. وانخفضت الى نحو 2 بالمائة سنويا، اثر ظهور الأزمة المالية سنة 2008، في حين كان لهذه الأزمة وقع شديد في مختلف أنحاء العالم وخاصة في أوروبا، الشريك الاستراتيجي لتونس، ومرت العديد من البلدان فيها بأزمة حادة وركود اقتصادي.
وانطلاقا من سنة 2011، لم تتمكن تونس من تسجيل مستويات نمو تضاهي تلك التي عرفتها قبل الثورة. وقد انخفض الناتج الداخلي الخام، سنة 2011، بنسبة 2 بالمائة ليتطور الى حدود 6ر3 بالمائة، سنة 2012. ويعدّ هذا التحسن هشّا لأنه كان مدفوعا بشكل أساسي بالانتدابات المكثفة في الوظيفة العمومية والترفيع الهام في كتلة أجور القطاع العمومي. واستقر النمو، منذ ذلك الحين، عند مستويات منخفضة للغاية تراوحت بين 1 و 2 بالمائة سنويا.
وأظهرت دراسات تم اعدادها منذ 2012، أن نسبة النمو الممكن تحقيقها في تونس لا تتجاوز 4 بالمائة سنويا. ولبلوغ مستويات أعلى من ذلك، لابد من ارساء العديد من الاصلاحات القطاعية القادرة على رفع هذا « السقف الزجاجي » الذي يثقل كاهل الاقتصاد التونسي.
وكشفت دراسات مماثلة قام بها المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية، سنة 2016، ان النمو المحتمل تحقيقه في تونس يناهز نسبة 3 بالمائة، لتعكس بذلك، المنحى التنازلي المستمر لنسق نمو الاقتصاد منذ سنة 2009. ورغم ذلك، لم ينطلق تنفيذ الاصلاحات اللازمة لدفع الاقتصاد وتحقيق النمو الممكن في تونس جراء انعدام الاستقرار السياسي وغياب الرؤية والإرادة. مما أدى الى تدهور مستوى العيش وتفاقم البطالة وتدهور القدرة الشرائية.
في الفترة الممتدة بين 2011 و 2019، ارتفعت نسبة البطالة من 13 بالمائة من مجموع السكان النشيطين إلى 5ر15 بالمائة، وذلك دون احتساب تأثير فيروس كوفيد – 19، وإلى أكثر من 18 بالمائة، باعتبار تأثير هذا الوباء.
وانخفض دخل الفرد الواحد، بحساب الدولار وحسب القدرة الشرائية، بنسبة 30 بالمائة، خلال الفترة ذاتها (من 2011 الى 2019). وتقلص سعر صرف الدينار التونسي من 52ر0 أورو الى 30ر0 أورو، ليفقد بذلك أكثر من 40 بالمائة من قيمته.
وتسبّبت جائحة كورونا في انخفاض الناتج الداخلي الخام بحوالي 10 بالمائة سنة 2020، ليمحى بذلك أثر النمو الضئيل المتراكم طيلة السنوات العشر الأخيرة.
وبالنظر إلى هذا الظرف وإلى والأزمة التي شهدتها البلاد سنة 2020، يعتبر « الإعلان »، في اطار قانون المالية لسنة 2021، عن نمو متوقع بنسبة 4 بالمائة، « مغالطة » ولن تتمكن تونس من استعادة مستوى الناتج الداخلي الخام الذي حققته سنة 2019 إلا سنة 2023…
وات: لقد أثرت الصعوبات الاقتصادية بشكل مباشر على القطاع الخاص وغادر عدد كبير من المؤسسات الأجنبية البلاد في حين أعلنت عدة مؤسسات تونسية إفلاسها، كيف تفسر التفاقم المستمر لهذه الظاهرة؟
راضي المؤدب: أظهر القطاع الخاص قدرًا كبيرًا من الصمود منذ سنة 2011. فقد حافظ، إلى حد ما، على نسق الإنتاج والتصدير والتشغيل والاستثمار رغم التحديات المتعددة. ومرّ القطاع الخاص، أساسا، بصعوبات ناتجة عن تردي مناخ الأعمال الذي اتسم بالبيروقراطية وعدم الاستقرار المالي والتدخل الإداري المتواصل والفساد وانتشار ظاهرة التهريب والاقتصاد الموازي.
لقد أثقلت كل هذه الظواهر كاهل القطاع الخاص لفترة طويلة وتفاقمت منذ سنة 2011. وزاد انتشار وباء كورونا سنة 2020 في تأزم الوضع اثر اقرار الحجر الصحي الشامل وتعطل الإنتاج على امتداد شهرين تقريبا اضافة الى ظهور صعوبات في توفير السيولة النقدية وتراجع نسق الإنتاج.
وتأثرت كافة القطاعات سلبا خاصة منها السياحة والنقل الجوي والبحري والحرف اليدوية ووكالات الاسفار والمقاهي والمطاعم وتأجير السيارات، دون أن ننسى قطاعات تضررت بشدة منذ 2011 على غرار المحروقات والفسفاط ومشتقاته نتيجة الاحتجاجات الاجتماعية التي لا تنتهي والتي لم تتمكن أي حكومة من احتوائها.
هذه الانشطة، وإن لم ترتبط بالقطاع الخاص الوطني، فإن أزمتها العميقة لها تداعيات على المزودين المحليين التقليديين، في قطاعات الصناعات الميكانيكية وصناعة الادوات النحاسية والبناء والأشغال العامة.
وقد تأثر قطاع البناء منذ سنة 2017 بقرار توظيف الاداء على القيمة المضافة بالنسبة لمبيعات البعث العقاري، وهو إجراء اتخذ بهدف توفير موارد إضافية لميزانية الدولة الا أنه ساهم في اختلال ديناميكية القطاع و ارتفاع الاسعار في ظل تدهور القدرة الشرائية للمواطن وتقلص الطبقة الوسطى.
في ظل عدم وجود احصائيات رسمية تثبت حالات الإفلاس وانتقال المؤسسات الأجنبية الناشطة في تونس، يمكننا ملاحظة التراجع الحاد في إجمالي تكوين رأس المال الثابت في البلاد والذي مر من نسبة 24 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، قبل الثورة، إلى 18 بالمائة سنة 2019 وأقل بكثير في 2020.
ويشهد الاستثمار الأجنبي في تونس نسقا تنازليا. ولم تدفع الأزمة الاقتصادية المستثمرين الأجانب إلى مغادرة البلاد بل كان ذلك نتيجة عدم وجود استقرار اجتماعي ومالي وسياسي.
في ما يتعلق بإفلاس المؤسسات، فالأخطر قادم، لان العديد من المؤسسات العمومية تمر بصعوبات مالية وهيكلية كبيرة على غرار الخطوط التونسية وشركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي والشركة التونسية لصناعات التكرير « ستير ». كما يتعلق هذا الوضع بالشركة التونسية للكهرباء والغاز التي أثقلت الديون غير المستخلصة والمتخلدة بذمة الإدارات والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية كاهلها.
وقد تبين حسب الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، أن 40 بالمائة من حالات الإفلاس المتوقعة تهم المؤسسات الصغرى والمتوسطة. لذلك، لابد من دعم المؤسسات الخاصة لتجنب تكبد خسائر اقتصادية واجتماعية « باهظة».
وات: ماهي اسباب تفاقم العجز التجاري والتداين الذي تشهده البلاد خلال العشر سنوات الأخيرة ؟ وماهي الحلول التي يجب اتخاذها لمعالجة هذا الوضع وفق رأيك؟
راضي المؤدب: ساهم عجز الميزان التجاري خلال السنوات الاخيرة بشكل كبير في اختلال التوازنات المالية والاقتصاد الكلي. ويتجلى ذلك في عجز ميزان المدفوعات والتدهور المستمر لقيمة الدينار التونسي وارتفاع التضخم وضعف موارد الدولة.
وقد بلغ هذا العجز « مستويات قياسية » طيلة عدة سنوات، إلى حدود سنة 2019، ليصل الى نسبة 14 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
وساهمت جائحة كورونا وتراجع النشاط الاقتصادي الناتج عنها والقيود الادارية المسلطة على الواردات في تقليص عجز الميزان التجاري.
وقد انخفضت الصادرات سنة 2020، بنسبة 7ر11 بالمائة سلبي، وبنسق اقل من تراجع الواردات (7ر18 بالمائة سلبي) مما ادى الى تقلص العجز التجاري بنسبة 34 بالمائة مقارنة بسنة 2019.
ومن الواضح ان هذا التحسن الظرفي المرتبط أساسا بتراجع مستويات التجارة الخارجية، لا يعدو أن يكون سوى طفرة مضللة، لارتباطه بانخفاض مستوى واردات المواد الاولية والمنتجات شبه المصنعة والتجهيزات.
وبالتالي، ستعمل المصانع في تونس بنسق منخفض خلال الأشهر القادمة وسيسجل الاستثمار المنتج والذي يوفر مواطن شغل تراجعا، ولن يخول هذا الوضع لنا تحقيق الانتعاشة الاقتصادية المنتظرة.
في هذا الشأن، كنا، ولأسباب نجهلها، قد مررنا بجانب فرصة فريدة خلال شهر مارس 2020، تزامنا مع الحجر الصحي العالمي والتراجع التاريخي لأسعار النفط.
كان بإمكانا خلال تلك الفترة تغطية حاجياتنا لسنة 2020 وإلى فترة أبعد من ذلك عبر تقنية « التحوط »، المتمثلة في التأمين على إمكانية ارتفاع الأسعار. فقد عبر البنك العالمي عن استعداده لمرافقتنا، لكن أصحاب القرار السياسي في البلاد، أبدوا تخوفات من اتخاذ قرارات غير صائبة، ليضيعوا بذلك فرصة ذهبية. إذ كان المجال متاحا أمامهم لتوفير العديد من مئات الملايين من الدولارات.
في ما يتعلق بالأسباب الرئيسية للعجز التجاري، التاريخية منها والهيكلية، يبدو أن هذا العجز هو النتيجة المباشرة لضعف مستوى الإنتاج والتصدير في البلاد.
وتشير جميع الإحصائيات إلى ذلك فقد حيدت تونس نفسها عن المجال الصناعي، وشهد هذا القطاع تراجعا كبيرا من سنة إلى أخرى منذ 15 عاما.
نحن نفتقر إلى استراتيجية صناعية طموحة، فقد ترك القطاع الخاص يتخبط بمفرده، فيما شهدت قطاعات الصناعات التقليدية، على غرار النسيج وصناعة الجلود والأحذية والصناعية الميكانيكية والالكترونية والصناعات الغذائية، تراجعا هاما نتيجة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والامنية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.
وتحتاج القطاعات الجديدة، على غرار الاقتصاد الرقمي والتربية والصحة والخدمات المؤسساتية وخدمات التصرف في البنية التحتية إلى وضوح في التخطيط ورفع القيود الإدارية وارساء إصلاحات عميقة على مستوى مجلة الصرف. اختصارا، نحن بحاجة إلى مرافقة جدية لكافة المؤسسات وإلى توفير استقرار سياسي وجبائي ورفع القيود الإدارية.
نحن بحاجة إلى تحرير الطاقات الشابة ومرافقتها على المستويات المادية والإدارية والفنية. نحتاج أيضا إلى تثمين ثقافة العمل والجهد وإيجاد سبل جديدة لادماج أقوى بما في ذلك القطاع غير المنظم. تونس في حاجو ماسة الى جميع كفاءاتها وطاقاتها لرفع التحديات الكبرى التي تنتظرها.
 
 
وات