رجل قانون، ممثل كوميدي، كاتب سينمائي، مخرج وصاحب شركة إنتاج. هذه صفات عادية وموضوعية لشخص عادي يمتهن التمثيل، يتقن الكوميديا وبارع في السينما.
أما أن تكون رئيس دولة فهذا ليس بالأمر الهين أو سهل التحقق لأي شخص يفكر في الأمر مجرد تفكير. فهي مهمة تتطلب تضحيات كبيرة وشخصية قوية جدا وأهم من ذلك مسيرة وقدرات هائلة للوصول لمنصب رئيس الدولة. بالنسبة لممثل محترف يمكنه أن يؤدي دور رئيس في مسلسل أو فيلم على أحسن وجه، يحصد من خلاله شهرة كبيرة ويصبح نجما وسط المجتمع، لكن أن تحقق ذلك في عالم السينما والخيال وعلى أرض الواقع في نفس الوقت هو أمر يشبه المزحة أو سيناريو لمسلسل.
لكن هذا الأمر تحقق على أرض الواقع منذ تاريخ 20 ماي 2019، تاريخ انتخاب "فولوديمير زيلنسكي" صاحب ال 44 عام الرئيس الحالي لأوكرانيا التي تعرف اليوم حرب مع جارتها روسيا بقيادة "فلاديمير بوتين".
عند البحث عن اسم "فولوديمير زيلنسكي" في محركات البحث قبل تاريخ انتخابه كرئيس نجد هوية الممثل الكوميدي البارع وصاحب دور البطولة في مسلسل "خادم الشعب" معلم تاريخ بسيط يصبح بمحض الصدفة رئيسا للجمهورية، وذلك عقب انتشار شريط مصور يظهره وهو يستخدم ألفاظا نابية ضد الفساد.
لكن بعد تاريخ الانتخابات تغيرت المعادلة "خادم الشعب “الممثل أصبح خادم شعب حقيقي. وصعد إلى منصب رئاسة أوكرانيا بأغلبية قياسية 73,2 في المائة. انتخاب زيلنسكي جاء بعد احتجاجات كبيرة شهدت أوكرانيا ضد حكم الرئيس السابق "بترو بوروشنكو" الموالي للكرملين الروسي.
وصول زيلنسكي إلى سدة الحكم بأوكرانيا يعود الى عفويته المطلقة ونجاحه في عالم التمثيل والكوميديا جعل منه شخص محبوب ورجل أعمال ناجح.
منذ إعلانه عن نيته في الترشح للرئاسة والذي بدى للكثير مزحة منه أو ترويج لعمل فني جديد، قدم زيلنسكي مجموعة من الوعود الى الاوكرانيين لتحسين وضع البلاد التي تعرف انتشار كبير للفساد داخل الدولة مع نفوذ أصحاب المال والأعمال بالإضافة الى صراع محتدم مع الدب الروسي شرق أوكرانيا والذي خلف 14 ألف قتيل.
لكن مع مرور الوقت بدت مهام الرئيس الممثل معقدة أكثر مما كان يتصور، فبعد بداية التفاوض وانفراج نسبي للازمة مع روسيا عادت الأمور لموضعها الطبيعي التوتر والخلاف خصوصا مع قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منح سكان المناطق الشرقية المحتلة جوازات سفر روسية وسعي زيلنسكي الأكثر حزما لضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
من أهم وعود زيلنسكي، التصدي لنفوذ السياسي والاقتصادي للأغنياء في أوكرانيا. لكنه نسي سريعا أنه وصل للحكم بفضل دعم من الملياردير "ايغور كولومويسكي". حتى محاولاته في التصدي لهذا النفوذ اعبره الكثير قمع سياسي من طرف عدد كبير من الأثرياء أهمها المعرض ميدفيدتشوك.
صورة زيلنسكي الناصعة كممثل لم تكن كذلك أبدا كسياسي، حيث تم ذكر اسمه في وثائق باندورا الشهيرة التي سربت ثروات وأموال رؤساء وقادة العالم.
الان يعيش زيلنسكي وضع دقيق للغاية فهو يواجه حرب من طرف روسيا فقد وضع حشد القوات الروسية على حدود أوكرانيا وقيامها بغزو البلاد. وهو الرئيس غير المتمرس بقواعد اللعبة السياسية والأزمات الدولية الكبرى.
يسري مرزوقي