ثقافة و فن

الحضرة للفاضل الجزيري: عرض صوفي متجدد وانفتاح على موسيقات العالم

 يواصل الفنان الفاضل الجزيري من خلال عرض الحضرة إحياء وإعادة كتابة صفحات كاملة من التراث الصوفي بأحرف من ذهب رغم مرور أكثر من 30 سنة على تقديم هذا العرض للمرة الأولى مع مطلع التسعينات.

وعادت الحضرة باعتبارها جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية التونسية بعرض معاصر مليء بالألوان والأصوات على مسرح قرطاج، الليلة الماضية، وتمّ تقديمها أمام جماهير حاشدة جاءت من كل مكان، يُغريها العمل الأصلي في اكتشاف تطوّره مع مرور الزمن.
وتألف العرض من حوالي 120 عنصرا على الركح بين منشدين وعازفين وراقصين وكورال. أما العنصر الحي والمتجدد في "حضرة" الجزيري فهو مسرحة العرض ليكون قصّة تروى بمختلف تفاصيلها وتجلياتها، فاعتنى المخرج بالسينوغرافيا وبالديكور الذي حوّل الركح إلى مساحة بيضاء ليضفي على العرض بُعدا روحيا.
كما تجلت عناصر التجديد الأخرى في إدخال الآلات الموسيقية الغربية كالساكسوفون والغيتار والباص والباتري، فامتزجت إيقاعاتها الغربية مع الموسيقى الصوفية فعرّت أحاسيس الوجع المكتومة في الوجدان الإنساني. وبرهن الجزيري مجدّدا أن "الموسيقى الصوفية ليست في قطيعة مع الأنماط الموسيقية الغربية بل هي منفتحة على الموسيقى الغربية إذا ما أُحسن الوصل بين هذين النمطين"، وفق توصيفه.

وراوح العرض بين الأداء الفردي للمدائح والأذكار وبين الأداء الجماعي في التغني بالخالق ومدح رسوله والأولياء الصالحين، على غرار "يا الله" و"مولاي صلّ وسلم" و"يا محمد يا جد الحسنين" و"يا بلحسن يا شاذلي" و"يا فارس بغداد".
وأنشدت الحضرة كذلك "جارت الأشواق يا أحبابي" و"يا شيخ محرز" و"الليل زاهي" التي أدتها الفنانة آمنة الجزيري، في ما أدّى الفنان هيثم الحضيري "رايس البحار". وتخلّلت مختلف هذه الأغاني الصوفية لوحات تعبيرية راقصة وصلت حدّ الانتشاء والتخميرة في بعض الأحيان، وفي ذلك إبرازٌ للاعتقاد السائد لدى المتصوفة بتطهير الروح وتحريرها من سلطة الجسد.
وتحدّث الفاضل الجزيري خلال الندوة الصحقية التي تلت العرض عن إيمانه بالبحث في الأشياء ومنها "الحضرة". وأكد أن الفرق بين "حضرته" والعروض الصوفية الأخرى هو العمق في التفكير والبحث المتواصل في الأشياء التي لا تظهر لعامة الناس.
وأوضح أن انفتاح الحضرة على بعض الإيقاعات الغربية لم يُفقد العرض بريقه وخصوصياته الصوفية، مبينا أن الموسيقى الروحية لا تعترف بآلات موسيقية بعينها.
ولاحظ أن عرض الحضرة لم يبلغ المنشود بعد طالما لم يخرج إلى العالمية وبقي حكرا على البعد الوطني. ولفت أيضا إلى أن عناصر التجديد ستتواصل في الحضرة وهذا مردّه تطور المجتمع واقترانه بنمط الحياة اليومية.
ولم يفوّت الفاضل الجزيري، خلال هذا اللقاء الذي جمعه بالصحفيين، الكشف عن مشاريعه القادمة، حيث أعلن أنه يستعد لإخراج فيلم عن الزعيم النقابي الراحل فرحات حشاد وكذلك سينجز عملا تلفزيونيا عن المناضل الوطني زمن الحقبة الاستعمارية محمد الدغباجي.