مع تزايد القناعة العالمية بأن قطاع غزة يشهد عملية إبادة جماعية تُنقل للعالم مباشرة، برز دور بعض كبرى المؤسسات الإعلامية الألمانية في تبرير جرائم الاحتلال، بل وصل الأمر إلى أن بعض الصحفيين الألمان برّروا قتل زملائهم الفلسطينيين.
الصحفي والكاتب المقيم في برلين، هانو هاوينشتاين، ختم مقاله في صحيفة ذا غارديان بالتأكيد على أن هذه المؤسسات الإعلامية تنشط في دولة تدّعي أنها استخلصت دروس التاريخ من تجارب الإبادة الجماعية.
وضرب مثالًا بشركة أكسل سبرينغر، أكبر ناشر صحفي في أوروبا ومالك صحيفة بيلد، حيث نشرت الأخيرة عقب مقتل صحفي الجزيرة أنس الشريف صورة له بعنوان: "إرهابي متنكر بزي صحفي قُتل في غزة"، قبل أن تعدّل العنوان لاحقًا إلى: "الصحفي المقتول كان يزعم أنه إرهابي".
وأشار الكاتب إلى أن روايات الربط بين الصحفيين الفلسطينيين وحركة حماس كانت قد لاقت انتشارًا واسعًا قبل هذه الحادثة، رغم أن "إسرائيل" لا تُخفي نيتها في استهدافهم، وغالبًا ما تمهّد لذلك بتشويه سمعتهم ووصمهم بالإرهاب لتبرير قتلهم، في انتهاك صارخ لقوانين الحرب.
كما استشهد بمثال آخر حين نشرت بيلد مقالًا بعنوان: "هذا المصور من غزة يروّج لدعاية حماس"، استهدفت فيه المصور الفلسطيني أنس زايد فتيحة، متهمةً إياه بتزييف صور عن معاناة الجوع في غزة، رغم وجود أدلة تثبت صحة الصور. وقد رُوّج لهذا المقال ولتقرير مشابه في صحيفة زود دويتشه تسايتونغ من قِبل وزارة الخارجية الإسرائيلية ومؤيدين لها على منصات التواصل، ما ساهم في وصم فتيحة بالكراهية لليهود وخدمة حماس.
وفي رده، قال فتيحة: "أنا لا أخلق المعاناة، بل أوثقها". واعتبر اتهامه بنشر دعاية لحماس "جريمة بحق الصحافة".
وأشار هاوينشتاين إلى أن الانحياز الإعلامي ليس جديدًا في ألمانيا، مذكرًا بأن دعم "إسرائيل" يأتي كثاني بند في المبادئ التوجيهية لشركة أكسل سبرينغر. كما حمّل صحيفة بيلد مسؤولية المساهمة في إفشال مفاوضات وقف إطلاق النار عبر نشر تقرير "حصري" استند إلى تسريبات من مكتب نتنياهو، زاعمةً أن حماس لا تسعى لإنهاء الحرب، ما منح نتنياهو ذريعة لمهاجمة المتظاهرين ووصفهم بأدوات بيد الحركة.
ويؤكد الكاتب أن المشكلة تتجاوز بيلد وأكسل سبرينغر لتشمل معظم وسائل الإعلام الألمانية، التي فشلت في تغطية متوازنة لقضية فلسطين، خاصة بعد أحداث 7 أكتوبر، إذ استمرت في نشر مزاعم ثبت زيفها مثل قصة "قطع رؤوس 40 رضيعًا"، وتجاهلت السياق التاريخي، وكرّست الثقة العمياء في الرواية العسكرية الإسرائيلية.
واختتم هاوينشتاين بالإشارة إلى أن هذا النمط الإعلامي يسهم في تجريد الصحفيين الفلسطينيين من المصداقية، وفي أسوأ الأحوال يوفّر للاحتلال مبررات جاهزة لاستهدافهم.